المتعصبون العنصريون!

ناصر المرشدي• هل نحن مجتمع عنصري؟! بكل مثالية زائفة سنقول لا ! نحن مجتمع إسلامي لا فضل فيه لعرق على عرق، ولا للون على لون، إلا بالتقوى.. إلخ. بينما الواقع يقول خلاف ذلك، ويؤكد أننا متورطون بالعنصرية كثقافة نقارفها بشكل يومي دون أن نشعر، في كل جوانب حياتنا.

• في عصر الانفتاح الإعلامي وكثافة التواصل الاجتماعي التقني، ظهر أمر يسترعي الانتباه والتوقف! العنصرية تسير وتيرتها باتجاه معاكس لتقدمنا المفترض! هناك تفسيران لا ثالث لهما، إما أننا نضحك على أنفسنا فنحن واقفون في ذات المكان ولم نحقق أي تقدم، وكان هذا الانفتاح بمثابة مرآة صادقة كشفتنا أمام أنفسنا وأمام العالم من حولنا، وهذه مصيبة، أو أننا نتراجع إلى الخلف، وهذه مصيبة أعظم!
• العنصرية مرحلة متأخرة من التعصب، والتعصب ارتباط عاطفي لا عقلاني بفكرة معينة، وانغلاق عليها بشكل يرفض الحوار والنقاش مع أي طرح يناولها بنقد أو سوء مهما كان منطقياً.
• في بدايات التنشئة يبحث الإنسان عن اشباع حاجات نفسية وعاطفية شتى، منها حاجة الانتماء، ويجد الصغار في تشجيع الأندية الرياضية ما يشبع هذه الحاجة في نفوسهم، وحينما تدلف عقولهم الطرية إلى عوالم التشجيع تسلّم نفسها –طوعاً أو كرهاً- إلى الإعلام الرياضي، الذي يستغل طراوتها ليشكّلها في القالب الذي يريد.
• التعصب سمة طاغية في الإعلام الرياضي، ويتخذ إما غاية في حد ذاته لقصر وعي القائمين عليه، أو وسيلة للتكسب من خلال تسويق بضاعة تلك الصحيفة أو هذه القناة.
• مالذي نتوقعه مستقبلاً من ذلك المشجع الصغير الذي تربى على نتاج هذا الإعلام؟! كيف يفكر؟ كيف يعبر؟ كيف يحاور؟ كيف يتعايش مع من يختلف معه في الانتماء؟ -هذا إن كان يؤمن بالاختلاف أصلاً-!
• لا تتعبوا خيالاتكم! فقط تأملوا أكثر الأسماء رواجاً في المشهد الرياضي وقيسوا عليهم! هؤلاء أيضاً كانوا ضحايا ذات الإعلام، واليوم هم من يمارس دور الجلاد! كانوا مشجعين تربوا على نتاج الإعلام الرياضي، وكبروا وصاروا من مسيّريه!
• مشجع آخر كبر، وسلك طريقاً آخر بعيداً عن الإعلام الرياضي.. صار مسؤولاً، صاحب قرار، أو اسماً مؤثراً في المشهد الاجتماعي، أو شيخاً متابعيه وأتباعه بالملايين، لكنه لا يختلف كثيراً عن نجوم الإعلام الرياضي، في طريقة تعاطيه مع الآخر المختلف، ويعامله كما كان يعامل نظيره مشجع النادي المنافس، فعقله الباطن يحتفظ بكثير من مناهج التفكير، وطرق التصنيف، التي علمها إياه الإعلام الرياضي في الصغر.
• الأمر أخطر مما يهوّنه البعض، وإذا كنّا اليوم ندفع ثمن أخطاء حقب سالفة من التعصب الإعلامي الرياضي، والتي كان فيها الإعلام محافظاً نوعاً ما، فمالذي سنتكبده من خسائر مستقبلاً عندما تستوي العقول الطرية التي يطبخها إعلام اليوم المنفلت على نار التعصب الحارقة؟!
• الإعلام الرياضي بما فيه من تحزب واصطفاف وإقصاء وجهل، ملمح صغير من المشهد الاجتماعي الأكبر، وما يمارس فيه يمارس في أماكن أخرى، لكن ارتفاع سقف التعبير في الرياضة وكثافة ضوئها جعل الصورة أكثر وضوحاً، والسقطات أكثر دوياً، لكن لا أحد يعتبر، ولا أحد يتدخل، وكأن لا أحد يعنيه الأمر!
• شئنا أم أبينا، اعترف بعضنا أم دس البعض رأسه في الرمل، نحن مجتمع متورط في العنصرية وبها، والإعلام الرياضي سبب أول في صناعتها وتغذيتها، وآن الأوان لإعادة النظر في كثير من الأسماء التي تقوده إلى السقوط، تلك التي تدّعي المثاليات الزائفة في ظهورها الرسمي، وتشبع تحت الأقنعة نهم التعصب.
• خذوا جولة صغيرة على الصحف والأقسام الرياضية.. ستجدون في كل صحيفة بلا استثناء زاوية يعدها مجهول، يمارس فيها أسوأ أشكال الغمز واللمز والقذف والتحقير والاستهزاء بكل من يراهم حجر عثرة في طريق فريقه المفضل! جمل مفخخة ظاهرها “مبني للمجهول” للتحايل على القانون –إن كان هناك قانون-، وباطنها معلوم تماماً لكل من له أدنى متابعة للمشهد الرياضي! هذا الكاتب المجهول من تظنونه؟! إنه أحد مسؤولي الصحيفة الكبار، يعاقر تعصبه وجهله خلف الستارة، وفي أعلى الصفحة يقدم آرائه وتنظيراته المثالية عبر عموده الرسمي!
• انقذوا نشئنا من هؤلاء المقنّعين المتلونين، لعل رياضتنا تنعتق من ورطة التعصب، وتأتي أجيال تستوعب بعضها البعض، وتخلص مجتمعها من براثن العنصرية التي تنهشه.

ناصر المرشدي
@naseralmarshdi

14