رحم الله المعلم المقتول!

سلطان الزايديلا أعرف المعلم الذي مات مطعوناً بخنجر الغدر والإهمال والتسيب، لكن أفهم أنه رجل تربية وتعليم وقد وهب نفسه لخدمة الوطن حيث كان، وما يشعرني بالحزن والحيرة أن يحدث هذا الأمر الفظيع والشنيع في مكان خصص في الأساس للتربية قبل التعليم، وهذا ما كان يتنافى مع أهداف المكان وسياسته..! ولا أفهم ما هي الأسباب التي أوصلت التربية والتعليم كوزارة لهذا المستوى الذي أصبح فيه المعلم يخشى على نفسه من أداء واجبه التربوي والتعليمي تجاه الطلاب رغم أنه وجد في الأساس لهذا الدور..! أسئلة كثيرة ممكن أن أستعرضها لكم هنا من خلال هذه الزاوية حباً في الطاعن والمطعون..! وأبحث معكم عن خفايا أمر قد يستشري خطره ويصبح قابلاً للتكرار متى ما تكررت ظروف المشهد بين المعلم والطالب..! نسمع دائماً عن محاولات غير تربوية تحدث من بعض الطلاب وفق البيئة التي ينتمي لها الطالب، لكن لم يخطر في ذهن المجتمع أن هذا الأمر قد يتطور إلى أن يصل لقضية قتل غابت فيها كل ضوابط الردع والتربية وحضر الإهمال الذي يشترك فيه الجميع..! كيف لطالب هو في الأساس حضر لمكان تربوي وتعليمي ليتزود بالعلم والمعرفة أن يحضر معه سلاحاً، وقد يكون هذا السلاح من أخطر الأشياء التي من الممكن أن توجد في المدارس ويكون سبباً حقيقياً يهدد سلامة كل المنتمين لهذه المؤسسة التعليمية..! لماذا أحضر هذا الطالب السلاح..؟ هذا أول سؤال يجب أن يطرح ويناقش وما دوافعه وأفكاره..؟ وكيف كانت نشأته والبيئة التي نشأ بها..؟ من المسؤول عن متابعة تربية أبناء المجتمع بين أسرهم وفي مجتمعاتهم..؟ وهل تتحمل وزارة التربية والتعليم مسؤولية انحراف بعض طلابها؟

الحقيقة التي لا مناص من ذكرها أن المسؤولية مشتركة بين الجميع، بيئة المجتمع وثقافته ولوائح تربوية ضعيفة لا تستطيع ردع كل من يفكر أن يتجاوز حدود المسموح..! المؤسسة التعليمية أصبحت تعاني منذ أن تخلت عن شخصيتها التي كان المعلم يمثلها في مناهل العلم والمعرفة، لم يعد لهذا المعلم تلك الهيبة التي تفرض على المتعلم التزام حدود اللباقة في كل شيء، تطور الأمر ومن يصدرون الضوابط واللوائح والعقوبات يتشدقون بمنهج التربية الحديثة، وهذا ما زاد الأمر سوءاً حتى أصبح مستوى التربية في انحدار وارتفعت نسبة الجريمة في مجتمعنا حتى أصبح الأمر يشكل قلقاً كبيراً..! اليوم نحن أمام قضية قتل عاش فصولها طلاب ومعلمو تلك المدرسة دون أن يفهموا ما يحدث ولماذا تحول مجتمعنا إلى هذه الوحشية؟
هناك خلل كبير وفجوة يجب أن يفهمها المجتمع ويتكاتف الجميع من أجل أن لا تتسع، ومقتل هذا المعلم بهذه الطريقة الوحشية ما هو إلا جرس إنذار شديد لكل أفراد المجتمع ينبئ عن خطر شديد قد يواجهه المجتمع من مؤسسات تربوية وقطاع التربية والتعليم بأكمله، يجب أن تتغير بعض المفاهيم لدينا ولعل من أهمها إعادة الثقة بين الطالب والمعلم ولن تعود ألا بعودة هيبة المعلم. التطوير أمر مهم وضرورة ملحه من ضرورات الحياة، لكن يجب أن يكون هذا التطوير -وخصوصاً في الجوانب المتعلقة بالتربية والتنشئة- مبنياً على أسس سليمة تحكمها ثقافة المجتمع وفق دراسة بحثية مستفيضة حتى نفهم بُعد ثقافتنا من خلال ما يحدث في مجتمعنا، ليس بالضرورة أن تكون خطوات التطوير متسارعة حتى لا نتجاوز بعض الجوانب دون أن نضع لها حلولاً.
في بعض المجتمعات داخل المملكة نحتاج إلى تغيير ثقافة البيئة السائدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر بعض الثقافات في بعض محافظات المملكة لديهم تصور أن الرجولة لا تكتمل إلا عندما يتوشح أحدهم سلاحاً يحضر به المناسبات ويشارك به في تلك المناسبة دون أن يستنكر هذا التصرف أحد؛ فينشأ النشء في تلك المحافظة على هذه الثقافة ويصبح من السهل أن يستخدم هذا السلاح متى ما حضر الشيطان وقل وعي حامل هذا السلاح.
لهذا أن أركز دائماً على أن المسؤولية مشتركة بين جهات كثيرة يجب أن تتضافر الجهود ونعمل على وضع أسس يكون العقاب ضمن أولوياتها؛ لهذا من المفترض أن تغير وزارة التربية والتعليم سياستها التربوية في الجزء الخاص بلوائح المخالفات السلوكية والانضباط، ويفهم الطالب في كل مراحل التعليم العام أن المعلم يمثل شخصية الوزارة ومن يتعدى عليه سينال ما يستحق وفق الضوابط الصادرة عن الوزارة، بهذا فقط نكون قد رسمنا مستقبلاً تربوياً ناجحاً يعيد للأذهان تلك الصورة الجميلة التي كان فيها الانسجام والتناغم بين عناصر التربية والتعليم المعلم والطالب.
رحم الله المعلم (المقتول) محمد بكر برناوي وأسكنه فسيح جناته..
ودمتم بخير،،
سلطان الزايدي
Zaidi161@hotmail.com

13