مراهقة أنصاف الإعلاميين في مصر.. “العيال كبرت”

ياسر صالح البهيجان *

الإعلام العربي في تناوله للقضايا العربيّة على مستويي الحكومات والشعوب لابد أن ينطلق من مفاهيم عروبيّة جامعة تؤمن بمبدأ التآلف بين أفراد المجتمعات ذات المصير المشترك، وما لا يجوز اقترافه هو استغلال الأدوات الإعلاميّة لشرخ اللحمة وتعميق الأزمات، وممارسة حالة صبيانيّة تتسم بعدم الاتزان، وتبتعد كل البُعد عن المهنيّة في الطرح.
الانتماء للوطن لا يعني إطلاقًا التهجّم على المجتمعات العربيّة المجاورة، فهذا انتماء أعوج وسقيم ولا يليق بأي قامة إعلاميّة إن كانت حقًا تُدرك دورها الإعلامي وتعي ضرورة نشر حالة الوئام بين العرب وتحديدًا في هذا التوقيت العصيب الذي تتزايد فيه أطماع قوى الشر لاحتلال البلدان العربية إمّا لتفريسها أو تغريبها بغية استعبادها ونهب ثرواتها وإنهاك مواردها الطبيعية والبشريّة.
ما يحدث في بعض وسائل الإعلام المصريّة – وليس كلّها بالتأكيد- يُعد تهريجًا من الدرجة الأولى، وإضرارًا بمصالح مصر قبل أي مصلحة أخرى، لا يمكن لمصر والمصريين تحقيق نهضة تنموية واستقرار أمني ومكانة إقليمية دون تقارب مع الدول العربية، والظن بأن الاتجاه نحو المعسكر الروسي يمثل حلاً، فهذا وهم يسوقه أنصاف الإعلاميين. المصريون الشرفاء يُدركون تبعات ابتعاده مصر عن الالتفاف العربي، ويرفضون التحرك نحو أي اتجاه لا يخدم مصالح العرب.
لا يمكن لقنوات مصريّة رصينة أو صحف مرموقة أن تقبل بوجود مراهقين يعبثون بمهنيتها عبر اعتقادهم بأن وسائل الإعلام يمكنها أن تمثّل قوة ضغط لكسب قضايا لا تزال عالقة بين بلدين عربيين، وإن كانت هذه المقولة صائبة إلى حد ما إلا أنها خطوة من العار تنفيذها بين الدول العربيّة؛ لأن القواسم المشتركة بينها أكبر من أي نزاع مؤقت قد يحدث لظروف اقتصاديّة أو سياسيّة أو اجتماعية متغيّرة، كما أن النهضة التنمويّة والحضاريّة في تلك الدول مرهونة بدعم وتأييد الأشقاء نظير حجم التحديات الراهنة على المستويات كافّة.
وعندما نتحدّث عن مصر فإننا نتحدّث عن دولة عربيّة كبرى يُنتظر من إعلامها ممارسة أدوار أكثر فاعليّة؛ لرأب أي صدع قد ينتج فيما بينها وبين دول الجوار العربي، لا أن يكون ذلك الإعلامُ بمثابة طعنة في خاصرة العروبة، وأداة للتهريج الفض، مع يقيننا بأن تلك الممارسات النشاز رغم تزايدها لا تحظى بتأييد من الشعب المصري العربي المسالم والذي يحمل وعيًا وثقافة وإدراكًا تتجاوز أنصاف الإعلاميين.
من يبعث على الاطمئنان، هو أن تاريخ الإعلام العربي سيحفظ مواقف الإعلاميين النبلاء الداعمين للقضايا العربية، وسيخلّد إنجازاتهم في ذاكرة الشعوب، بينما سيقذف بالغث منهم إلى قمامته دون أن يكترث أحد بمصيرهم البائس.

* ماجستير في النقد والنظرية

11