الصراحة وقاحة !

إن لكل من يكتُب لأجل الكتابة طقوسه ، وإني قد اعتدتُ أن أخلع عقلي كُلّما وقفتُ على أعتاب الورق من ثمّ أنتعل الحماقة ، وإنني أعي تماماً أنّ من الحماقة أن أتبنّى ما أنا بصدد كتابته !
إن الأوساط الرياضيّة تضُجُّ بالكثير من التفاصيل التي لو أراد الصحفي أن يتتبعها لخرج منها بسلّةٍ مليئةٍ بالعناوين الناريّة التي – ومهما كانت ردة فعل القارئ تجاهها سلباً أو إيجاباً – فإنّ صدى فرقعتها من شأنه أن يكون مدوّياً مما يمنح الفرصة لكاتبها بأن يطفوَ على سطح الإعلامِ سريعاً كما تطفوَ قطعة الخشب على سطح الماء ، أنا لا أقصد في هذا الموضع ذاك الطرح ” الأصفر ” الذي يستمد وحيه من الخيال و يبني أعمدته على باطل ، أنا أقصد ذاك الطرح الذي يعتمد على نظرية ” كشف المستور واستراق النظر على ما وراء السور ” وتناوله بمنتهى الصراحة .
إن الصحفي البارع يجب أن يُخضِعَ أُسلوبه في تناول الخبر لمقاييس مدروسة و رؤيةٍ أخلاقيّة قبل أن تكون إعلاميّة تنطلق من تقدير الكاتب لمدى تأثير قلمه في الوسط الذي يكتب فيه ، هذه ليست دعوةٌ ليكيل صاحب القلم بمكيالين إنما هي توجهٌ قائمٌ على أن العدل لا يعني بالضرورة المساواة .
بعيداً عن التنظير و ” الفلسفة ” و على مقربةٍ من نقل الثرثرة النظرية إلى أرض الواقع فإننا نستطيع أن نشطر الإعلام الرياضي إلى شطرين ” غير متساويين ” تهيمن رياضة كرة القدم على الأكبر منهما ، فيما تتقاسم بقيّة الرياضات فُتات الأقلام وما تجود به أنفُسُ الصُحف الرياضية و هوامش غير الرياضية ، مما يجعل من الكتابة في كرة القدم مغرية أكثر من غيرها ، بالإضافة إلى أنّ هذا الصخب الذي حولها جعل للكاتب في مضمارها أسلحة يدافع بها عن فكرته ، فإنه يكفي أن يعلن الكاتب عن انتمائه لأحد الأندية أو حتى أن يُلمّحُ بذلك عندما يستشعر خطراً حتى تهب جماهير ذاك النادي لنجدته و الدفاع عنه ، بالإضافة إلى حرية التسكّع بالقرب من المحاذير دون أن تكون النتائج عكسيّة على الرياضة أو على شعبيّتها بعكس ما يحصل في الرياضات الأخرى كالفروسية ، والرماية مثلاً و غيرها من الرياضات التي تشكوا الجحود الإعلامي و الشعبي رغم ما تحققه من إنجازات عالمية كُبرى ، مما يجعل القلم المخلص لوسطه فيها أمام تحدٍ كبير كلّما وقع بين يديه خبر ، أو استسلمت أمامه معلومة ، ليجد نفسه مضطراً لأن يُعاملها معاملة الأسرى فيُمسكها بمعروف أو يُسرّحها بإحسان !
معادلةٌ صعبة و ضغطٌ كبير يقع في الغالب على عاتق الشغف الإعلامي الذي يُلِحُّ على كاتبه باقتناص الفرصة المشروعة والبحث عن السبق الصحفي و العنوان المدوّي ، لكن قلّة المنابر و نُدرة الأقلام – وإن كانت ميزةً في بعض جوانبها – إلا أنّها مسؤوليةٌ تقتضي بأن يأخذ الكاتب المُحنّك بعين الاعتبار مدى تأثير طرحه على الرياضة التي ينتمي إلى أوساطها من ناحية ازدياد أو تراجع شعبيّتها بين الجمهور و إقبال المستثمرين و الرعاة عليها أو نفورهم منها ، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مُستبعداً لكن عندما تكون قلماً بين بضعة أقلام لا يتجاوز عددها العشرة فإنك حتما مسؤولٌ عن جانبٍ من الصورة التي يعكسها الإعلام الرياضي الذي تُمثّله ، وإن صراحتك حينئذٍ قد كون في موضعها الصحيح على الأغلب ، لكنها قد تتجاوزه في بعض مواضعها إلى الوقاحة ، و يبقى أسلوبك في الطرح ومدى أناقتك فيه – مهما كان موضوعك شائكاً – هو جواز سفرك بين ما يبدو أنك تكتبه وبين ما ترمي إليه !

9