كأس العالم في السعودية

مازالت الصورة الذهنية لدى البعض عن الرياضة لم تتغير، رغم مرور كلّ تلك السنوات والمكتسبات الواضحة التي حققتها الرياضة، إلاَّ أنَّ البعض مازال ينظر للرياضة على أنها مجرد هوايةٍ وترفيهٍ وقضاءٍ لوقت الفراغ فقط، وينتقد أي اهتمامٍ بها، وهذا ما حدث من بعض المثقفين بعد قرار الملك بإنشاء إحدى عشر ملعباً في مناطق مختلفة من المملكة، فهم يرون -وأعني بعض مثقفي البلد- أنَّ إنفاق الأموال في مشاريع كهذه هدرٌ ماليٌّ، يعيق تقدم الإنسان وإنتاجيته العلمية والعملية، ولا أفهم ما هي الاستدلالات الاقتصادية والاجتماعية التي بني عليها تصورٌ كهذا!! رغم أنَّ الرياضة الآن بكلّ تفريعاتها على الصعيد الاقتصادي أصبحت مصدر دخلٍ لكلِّ الدول التي تسعى لتحسين اقتصادها، وهذا سينعكس إيجاباً على أفراد المجتمع، وأقرب مثالٍ هو البرازيل التي استضافة نهائيات كأس العالم 2014م رغم فقرها.

عندما تنجح أيِّ دولةٍ في استضافة أي حدثٍ رياضيٍ كبيرٍ، فإن الواقع يقول: أنَّ هذه الاستضافة ستحقق مكاسب كثيرةً ومتنوعةً لهذه الدولة، ولعلَّ من أهمها الاستعداد الجيد من أجل إنجاح هذه الاستضافة، من خلال تنفيذ كلِّ البرامج الخاصة بالتنمية في البلد كالطرق والمنشآت والتنظيم العام للدولة، وهذه الخطوة فوائدها ليست حكراً على المشاركين بالبطولة فقط، بل جميع أفراد المجتمع سيستفيدون من تسريع عجلة التنمية في البنية التحتية للدولة.

والشيء الآخر نوعية الاستثمارات التي من المتوقع أن تحدث في الدولة نتيجة هذه الاستضافة، فالشريحة الأكبر من أفراد المجتمع سيهرولون؛ حتى يستفيدوا من حدثٍ رياضيٍّ كبيرٍ كهذا، وسنجد المدن التي يقام عليها النشاط الرياضي قد تحولت إلى مشاريع اقتصاديةٍ متنوعةٍ كبيرةٍ كانت أم صغيرةٍ، تعود بالنفع على أفراد المجتمع، ويصبح للبلد حراكٌ اقتصاديٌّ كبيرٌ، كأنَّك تفتتح سوقاً خيرياً يتقدم مَن لديه القدرة على الاستثمار لعرض بضاعته وتسويقها بسعر رمزي.

ولا أنسى أيضاً أنَّ حدثاً مثل هذا سيكسب الدولة مزيداً من التجارب العملية والخبرة، وسيضيف لسمعة البلد بشكلٍ إيجابيٍّ، فالقادمون من أجل المتابعة الكروية قد تستهويهم السياحة، ومن الممكن أن تكون ضمن أجنداتهم السياحية مستقبلاً، وحتى يكون الأمر أكثر وضوحاً أسوق هذا المثال عن تجربة أحد الشباب المبدعين، الذي اختار أن يمارس إبداعه ولو من خلال قناةٍ على اليوتيوب، إذ كان متواجدٌ أيام المونديال في البرازيل، يتجول في شوارعها بالزيِّ السعوديّ الرسمي (ثوب، وشماغ، وعقال)، وأخذ يسأل المارة عن هذا الزيِّ ولأيِّ بلدٍ؟ فأكثرهم لا يعرف لمن، وبعضهم يقول: زيٌّ غريبٌ لا أشاهده إلاَّ على التلفاز!!.

إذاً ماذا لو قررت المملكة الدخول في معترك الاستضافة لنهائيات كأس العالم 2026م مثلاً أو 2030م، وأعدَّت العدَّة لهذا الحدث، أولاً: التفكير في تحقق كلّ المعايير الموضوعة لاستضافة حدثٍ رياضيٍّ كبيرٍ كهذا، وثانياً: الخطة المتبعة لأن تظهر الاستضافة بالشكل المأمول، مع إبراز كلِّ معالم الثقافة العربية لشبه الجزيرة العربية، والاستفادة اقتصادياً من هذا الحدث، ووضع الدراسات اللازمة لكلِّ الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسة، ومدى تأثيرها على الأنشطة الاجتماعية والسياسية والرياضية على الدولة ما بعد المونديال.

إنَّ الفكرة ليست صعبة التنفيذ، بدليل أنَّ دولاً كثيرةً وآخرها البرازيل لا يمكن مقارنتها بالاقتصاد السعودي المتنامي، نجحت في تقديم حدثٍ رياضيٍّ كبيرٍ لكلّ العالم، ولم تظهر أيُّ إحصائيةٍ تدلّ أنَّ بطولة كأس العالم تركت تأثيراً سلبياً في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة في كلّ الدول التي سبق لها التنظيم.

أتمنى جاداً من الرئيس الجديد لرعاية الشباب الأمير عبد الله بن مساعد أن يؤسس لهذا المشروع، وأن يضع اللبنة الأولى لتنفيذه مستقبلاً، ففكرة أن يطرح اسم دولةٍ كالمملكة العربية السعودية لتنظيم حدثٍ رياضيٍّ كبيرٍ كهذا، سيكون له صدى إيجابيّ في كلِّ العالم، حتى وإن وجد مَن يعترض على الفكرة.

ودمتم بخير،،،

تويتر@zaidi161

 

16