الفروسية “ظاهرة” أم إرثٌ أصيل ؟!

عبير الشلاللطالما كُنّا نحلم بصحوة تطرأ على العشق “الخامل” في قلوب المجتمعات العربية للخيل والفروسية ، فتستيقظ من سُباتها الذي طال كثيراً لتعيد النبض الأصيل إلى الدماء العربية ، تلك التي اختلطت ملامح أصحابها بشيءٍ من ” الصحراء ، والقهوة ، والفروسية ” تلك الثلاثية التي لا يُمكن للعربي أن يتجاهلها!

إن صفحات التاريخ التي تعرف رمال جزيرة العرب مثلما حفظت أسماء فرسانها فإنها تحفظ جيداً أسماء جيادها التي حملت المجد على ظهورها ثم يأتي اليوم من يتجرّأ على التاريخ ويصف عشق العرب للخيل والفروسية “بالظاهرة ” ! فأي برٍّ ذاك الذي يُنصف به أبناء العرب عروبتهم ؟!
بعيداً عن العاطفة التي يثرثر بها قلمي و من جانبٍ أكثر واقعية ، لنناقش ما تداوله المغردون في مواقع التواصل الاجتماعي – وأثار غضب عروبتي – عبر وسم “هاشتاق” ظاهرة انتشار هواية تربية الخيول ، والذي شهد تفاعلاً متناسباً مع أزمة العشق الفروسي الخامل في الدماء العربية ، والذي تناول مظاهر الاستيقاظ الكسول لهذا العشق القديم في عيون العرب الذي عاد في شكل ” ظاهرة ” وإن كُنّا ننتظر أن يُبعثَ في الأرواح ثم يتمثّل سلوكاً يسير بخطى ثابتة ليصبح أسلوب حياة كما كان في عهد “جدّي وجدّك” .
و بينما نحن مختلفون في أمرنا عمّا إذا كانت الفروسية “ظاهرة” أم إرثٌ أصيل فإن هناك نبضٌ لا يُمكن تجاهله وبضع أصوات تتعالى من شأنها أن تجدد عهد الود بين الفروسية و محبّيها بالفطرة ، فنلاحظ إلتفات بعض شباب وشابات هذا الجيل لهذا الإرث وإن كانت تفوح من معظمه رائحة ” البرستيج ” ليس ذلك فقط بل وإن الكثير منهم اختار لنفسه صورة رمزية في مواقع التواصل الاجتماعي تعبر عن اهتمامه بالخيل والفروسية ، كما ونلاحظ عودة الخيول وصورة الفرسان إلى شاشة التلفاز من خلال بضع مسلسلات ، وفيديو كليبات لنجومٍ يتمتعون بشعبية كبيرة، كلها أمورٌ يُمكن اعتبارها إيجبية مهما كانت ما تحمله من نوايا ، المهم أن لا تكون مجرد ” نزوة “!
ولعل بعض الأصوات التي حملت نبرة الاستياء مما تعانيه الفروسية من عقوق أبنائها كانت تطاب بالدعم المفقود خصوصاً في بعض مناطق المملكة التي تكاد تخلوا من صهيل الجياد ، لعلهم أصابوا في جانب لكنهم أغفلوا جانباً آخر ، إذ لا يمكننا أن نطالب بدعم رياضةٍ ليس لها جمهور !
ربما أثار ادعائي بأن الفروسية رياضةٌ لا جمهور لها غضبك ،كما أثارت كلمة “ظاهرة ” غضبي بالأمس ، إلا أن هذا هو الواقع ، فحبك الفطري للخيل والفروسية وحده لا يكفي ، قبل أن نطالب بالدعم “الحكومي ” علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدّمنا نحن ” المجتمع ” للفروسية ؟! ماذا غرسنا في أبنائنا ؟ في أي بطولةٍ حرصنا على تسجيل حضورنا ؟!
الواقع يقول أن ميادين الفروسية خاليةٌ من جماهيرها العريضة ، ومراكز تعلم الفروسية تعاني من الجفاء ، الواقع يقول أيضاً أن جمهور الفروسية آخر مرةٍ حرص فيها على متابعة سباق للخيل في التلفاز كان “شقران في المقدمة “!، فبأي دعمٍ نُطالب ، وعن أي جمهورٍ نتحدث ؟!
الواقع يقول أن الجميع مُفرّطٌ ، و أن الجميع مُقصّر ، إلا من بقي على العهد ، وحفظ الود ، وهم قلّة ، ولعلّ ذاكرتنا تذكر جيداً يوماً ليس بالبعيد عندما كان عشقنا للخيل أسلوب حياة ، فالمجتمع العاشق للفروسية على موعدٍ ثابت على مدار الأسبوع مع سباقات الخيل ، يسبقهم إليه راعي الفروسية الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، مجبرين التلفزيون السعودي على تخصيص وقتٍ لتلبية نداءات الجمهور التي كانت -في تلك الفترة – جدّيةً في رفضها للمساومة على النقل المباشر !
المؤلم أن فروسيتنا تستجدي مساندة عشّاقها المصابة مشاعرهم تجاهها بالتبلد في عهدها الذهبي الذي استطاع فرسانها – القابضين على جمر الجحود الشعبي والإعلامي بأيديهم – أن يوصلوها فيه إلى العالمية من أوسع أبوابها ، فماذا ننتظر بعد ؟! الكل مسؤول عن عودة الدماء إلى شريان فروسيتنا المجتمع قبل الإعلام ، والإعلام قبل أن نتجرأ على المطالبة بالدعم ، و إنه من السخرية أن نكتفي باعتبار الفروسية مجرد ظاهرة !

8