واقعية المونديال

بسام جميدة
انتهى المونديال الكروي ولن تنتهي حكاياته، فاز من فاز وخسر من خسر، وسيبقى الحديث عنه لفترة من الزمن لدراسة وتحليل ماجرى ضمن مبارياته وتفاصيله التي كانت مليئة بالقصص.
أهم ماميز هذا المونديال تلك الواقعية التي اتسم بها في نتائجه التي أفرزت من يستحق البطولة قولا وفعلا بعيدا عن أي عواطف ومجاملات، فالواقعية الكروية هي التي أنهت فريق اسبانيا (حامل اللقب) الذي ظهر متواضعا جدا وكلكم لابد قد عرف الأسباب، وكذلك أخرجت الفريق الانجليزي والايطالي مبكراً، ولم ترحم الفريق المضيف (البرازيل) طويلا بعد أن جاملوها كثيرا وخرجت غير مأسوفاً عليها، وربما لأول مرة لم يعترينا الألم على خروجها كونها لم تقدم مايليق لا بماضيها ولا حاضرها ولا مستقبلها. ولم تسير الفرق المغمورة في أحلامها بعيدا لأنها تدرك أن للكبار مقاعد محجوزة سلفا في هكذا فصول كروية رفيعة المستوى.
وحده المانشافت الذي عمل مع مدربه لسنوات طوال، وضح نهجه التكتيكي، ونفسه الطويل وانضباطه العالي داخل الملعب وعرف كيف يسير بخطى واثقة مع أن مباراته مع المنتخب الجزائري كادت تطيح به لولا فارق الخبرة التي كانت لمصلحته، وتابع حتى النهاية.
الحلم الألماني الذي بناه المدرب منذ سنوات طويلة ولم يجرؤ أحد على إعفاءه من منصبه رغم غيابه عن الألقاب، أثمر عن لقب طال العمل لأجله وكسر به كل الأرقام القياسية وبدد حلم أصحاب القارة اللاتينية، وقدم للعالم أسلوب لعب جديد يعتمد على التناسق والتكامل مابين الخطوط كلها مع وجود التعزيزات الدفاعية المطلوبة بكثافة مؤلفة من حائطين لم يستطع ميسي ورفاقه النفاذ منها بسهولة، فيما كان الاستحواذ على الكرة والتمرير الدقيق علامة واضحة في الأداء.
وتلك الواقعية الألمانية قابلتها أيضا واقعية أرجنتينية لم تتعد الحدود التي رسمتها لنفسها، بل ولم تتفوق على نفسها، وكذلك الطواحين الهولندية التي تلعب للمتعة لم تكن قادرة على المضي بعيدا، واستسلمت للواقعية التي لعبت بها رغم نجومية روبن ورفاقه.
تلك ملامح بسيطة من واقعية المونديال التي أنصفت الجميع بقناعاتي، ونال كل مجتهد نصيبه، وسنتظر من الفنيين وعباقرة التدريب تفاصيل مهمة عن النزعة الهجومية للفرق واللعب المفتوح الذي تميزت به تلك المباريات التي أمتعتنا كثيراً، فيما سنتوقف في حكاية قادمة عن النزعة العدوانية والخشونة التي وضحت لدى بعض اللاعبين، وتعتبر وصمة سيئة على الروح الرياضية.
بسام جميدة
إعلامي رياضي سوري

16