البشر و حمى كأس العالم

طارق ابراهيم الفريحتستقطب البرازيل أنظار العالم كوجهة ومقصد للكثير في هذا الصيف.. كيف لا وهي ستستضيف نهائيات كأس العالم حيث اهتمام الشعوب بمتابعة مباريات المونديال.. فسكان المعمورة بمختلف أجناسهم وأعراقهم ومواقعهم وطبقاتهم ومستوى معيشتهم على موعد وحلم منتظر يتكرر كل أربع سنوات سيأخذهم في حمى خاصة تصاحب المونديال وأجواء احتفالية وتنافسية تجعلهم أكثر إثارة وتشويق.
شعب البرازيل الذي خرج وفرح وسهر ورقص السامبا بعرس استضافة كأس العالم كانت له ردة فعل جديدة وفي اتجاه آخر وذلك بخروجه للتعبير عن حقه بالعيش الكريم.. وأن هناك أولويات يراها أهم من استضافة كأس العالم.. وأن الفقر والبطالة والفساد قضايا يجب أن تلقى اهتمام وحل حتى تتوازن الكثير من القوى في البلاد.
لذلك يا كأس العالم متى ما عاش شعوب العالم بسلام وتسامح وحرية وكرامة ورغد وبدون هموم.. عندها فقط سيستمتعون ويتفاعلون بمشاهدة ومتابعة مبارياتك.. فشعوب العالم تنتظرك كل أربع سنوات على أمل أن تتحسن معها الكثير من الأوضاع في كل مكان.. فلقد عودتنا الرياضة أن تصلح ما أفسدته السياسة والاقتصاد.
فهل تعلم يا كأس العالم أن نصف سكان الأرض لا يملكون جهاز تلفاز ليشاهدونك.. ويعيش معظمهم مستويات الفقر وأغلبهم تحت خطه.. ويبحثون عن عزتهم وكرامتهم وحاجتهم.. فأي اهتمام سيدفعهم لمشاهدتك وهموم الكثير منهم البحث عن لقمة عيش أو اختباء عن صاروخ أو عبور لوطن.
وهل تعلم يا كأس العالم بأن البشرية تتاجر ببعضها البعض.. وبينهم تمييز عنصري ويصنفون أنفسهم لعالم أول وثالث.. وأن إحصائيات وتقارير الهيئات والمنظمات تبين حقائق وأرقام مزعجة وفي كل اتجاه.. فهل شعوب العالم وهي تتابع كأسها ستجد معه كرامتها وحريتها أم أنها ستتابعه لتتناسى همومها وتقنع بواقعها.. وهل ترضى يا كأس العالم باستمرار هذه الفجوة واتساعها.
يا كأس العالم في الوقت الذي يصرخ فيها عشرات الآلاف فرحاً لهدف يصرخ معها في الوقت ذاته عشرات الملايين من الأطفال حول العالم جوعاً.. وعندما تحتج فرق على قرار حكم المباراة فهناك الملايين تحتج وتتظاهر لتحسين مستوى معيشتها.. وعندما يحتار الآلاف كيف تحصل على تذكرة مباراة تحتار ملايين الأسر كيف توفر قوت يومها.. وعندما يرفض منظمي كأس العالم التدخلات في شئونها ويتشدد الفيفا بقرارات صارمة نشاهد التدخلات في شئون الدول وحريتها وسيطرة دول دكتاتورية على أخرى.
لسان الحال يقول أنهم يحاولون أقناعنا بأهمية وأهداف ورسالة المونديال وأنه تجميع وتأليف بين الشعوب وإزالة لكل الحواجز التي بينهم وتعريف بالثقافات وأن هناك تنافس شريف في البطولة.. كما يحاولون أقناعنا بأن حروبهم وتقتيلهم وتشريدهم من أجل نشر السلام وأن سيطرتهم على الموارد من أجل توفير الغذاء.. وأن مستوى الحقد والكراهية بين شعوب العالم قد زال وهم تبادلون الاتهامات والتشكيك والتهجم على العادات والتقاليد والثقافات ويستهزئون بالأديان ورموزها.

 

11