التسيير المالي للأندية الرياضية

عمان-عبد-الغني-500x332في المفهوم العربي العام أن رئيس النادي يجب أن يكون من أصحاب المال والجاه لأنه يتولى الصرف على النادي بغض النظر عن إمكانيات هذا الرئيس، ولذلك يحجم كثير من أصحاب العقول والمبدعين في فن الإدارة الرياضية عن الترشح لرئاسة الأندية الرياضية لأن هذا المفهوم يطغى على كل الأمور، ولكنه مفهوم خاطئ يجب أن يصحح
ان مفهوم إدارة الأندية الرياضية فهي فن تنسيق عناصر العمل والمنتج الرياضي في الأندية الرياضية، وإخراجه بصور منظمة من أجل تحقيق أهداف هذه الأندية، وهي أيضاً توجيه جميع الجهود داخل الهيئة الرياضية لتحقيق أهدافها وللإدارة مستويات (عليا وتمثل مجلس الإدارة وهو أعلى سلطة في النادي ـــ والإدارة الوسطى وهي التي تتولى المعاملات الإدارية الروتينية، والإشرافية، وهي التي يتولى فيها أشخاص معينون الإشراف على الإدارات المختلفة)، وعلى الرغم من أهمية مكونات العمل الإداري في كل المستويات، فإن نسبة كل مكون قد تختلف في كل مستوى حسب النادي ووضعه وحجم نشاطه وأهدافه، وللإدارة بالطبع مهارات (فنية ـــ وإنسانية ـــ وإدارية)، وتعد هذه المهارات متطلباً أساسياً في كل مستويات الإدارة.
فما السر الذي يجعل رجال الأعمال يتركون البورصات العالمية ويتركون الصفقات الكبرى والشركات الضخمة وعالم الأعمال ليستثمروا المبالغ الضخمة في أندية رياضية، مقتحمين عالم الكرة الذي لم يعرف إلا لغة الأرقام وجني الأرباح.؟؟
لقد أصبحت أندية كرة القدم العالمية، وخاصة في أوربا منشآت رياضية وصناعية وتجارية في الوقت ذاته, فلم يعد الفوز في البطولات الهم الوحيد لها، بل أصبح استثمار المال عاملاً أساسيا تسعى إليه إداراتها. لكن، وحتى تقوم إدارات هذه الأندية بمهامها فإنها تحتاج تمويلا كبيراً، فمن أين تأتي هذه الأندية بالأموال ؟
سؤال كبير يطرح نفسه ويحتاج إلى إجابة مقنعة.
تقوم هذه الأندية ببيع مشجعيها الألبسة التي تحمل شعار النادي في صالاته سواءً أكان النادي يملك مصانعاُ تخصه حيث تصنع الألبسة والأحذية وقبعات الرأس وغيرها من الألبسة الرياضية، أو يتعاقد مع شركات لإنتاج الألبسة، وهنا يأتي دور العلامة التجارية في حماية هذه المنتجات وعدم السماح بتقليدها خارج النادي، الأمر الذي يجعل النادي متفرداً في إنتاج هذه الألبسة، فيستفيد النادي من قوانين البلد الذي هو فيه, خاصة إذا كان البلد يقدم الحماية الحقيقية للعلامات التجارية.
و تستفيد النوادي من الأكاديميات التعليمية والمدارس الداخلية التي تشرف عليها، وكذلك من الدورات التدريبية الصيفية التي تجذب إليها أطفال الأغنياء في أوربا والعالم بهدف الحصول على رسوم عالية منهم. ويزيد جذب الأطفال للنادي من شغفهم به مستقبلا، حيث يتم اختيار من لديه المهارات والقدرات ليكمل مسيرته في صفوف النادي تدريباً ولعباً، وبذلك يوفر النادي المال الذي سيبذل مستقبلا لشراء اللاعبين من أندية أخرى، كما يكسب السمعةً الجيدة.
لقد أصبحت الأندية الكبيرة في أوربا تخصص متحفاً خاصاً للنادي داخل بنائه حيث تعرض فيه كؤوس البطولات التي ينالها وجوائز لاعبيه وقمصان اللاعبين القدامى والجدد الذين كانوا يلعبون في النادي، وتفتح هذه المتاحف أبوابها أمام السياح الذين يتوافدون بكثرة من كافة أنحاء العالم لرؤية هذه الكؤوس ويدفعون رسوماً كبيرة لدخول هذه المتاحف.
وتعرض هذه المتاحف على شاشاتها الكبيرة أجمل أهداف النادي، والتسجيلات الصوتية لبعض المعلقين الرياضيين، كما في متحف (ملعب باكايمبو) في مدينة ساوباولو البرازيلية الذي يعرض أشرطة فيديو عن منتخب (السامبا) في سنوات الأربعينيات والخمسينيات، ويعرض متحف (سينتيناريو) الشهير في الأرغواي الذي أجريت فيه المباراة النهائية، أول كأس عالمية عام (1930) والتي انتصر بها منتخب الأورغواي.
وتحصل الأندية على نسبة من الإيرادات كحصة من الإعلانات التي يقوم بها لاعبو النادي، فتحصل على عائدات وفيرة، لأن اللاعبين يحصدون مبالغ كبيرة للقيام بإعلانات الألبسة الرياضية وغير الرياضية تقدر أحيانا بعشرات الملايين من الدولارات.
فأين الأندية العربية وإداراتها من هذه الأرقام التي تدر الأموال الطائلة؟ وما المعوقات التي تواجهها كي تصبح مثل الأندية الأجنبية؟
لعل أهم المعوقات التي تواجهها الأندية العربية هي:
– عدم توجه رؤوس الأموال الكبيرة في الدول العربية لمثل هذه التجارة، حيث تتجه الأندية العربية لشراء اللاعبين الأرخص لها في سوق الانتقالات بغض النظر عن الفائدة التي سيقدمها اللاعب للنادي.
– قلة المنافسة في الدوريات العربية، وبالتالي حرمانها من عوائد حقوق البث التلفازيّ كون هذه الدوريات تنقل مجاناً على القنوات الفضائية العربية. فضلا عن أنها لا تشاهد على مستوى عالمي بعكس الدوريات الأوربية التي تتسابق القنوات العالمية لشراء حقوق بثها التلفازيّ وبيعها للمشاهدين على شكل اشتراكات تدفع إما سنوياً أو حسب البطولات.
– أن مستوى المعيشة المتدني للسكان في العالم العربي لا يشجع الأندية العربية على رفع أسعار التذاكر للمباريات ولا بيع منتجاتها مما يحرمها من دخول كبيرة. ويضيع على النوادي أموالا طائلة لغياب العلامة التجارية في البلدان العربية وانتشار المقلد منها. فنجدها تحرم من بيع منتجاتها ومن الاستفادة من العلامة التجارية التي تحتاج فترات طويلة لإنشائها.
– قلة خبرة إدارات هذه الأندية يجعلها بعيدة عن تحقيق العوائد التي تسمح لها برفع سوية الرياضة في العالم العربي.
بناء على ما سبق، إن إدارة الأندية يجب أن تسلم لمدراء ذوي كفاءة ومراس ليكونوا قادرين على كسب الأموال للنادي وإحراز البطولات وإمتاع المشجعين، والرقي بعالم كرة القدم الذي كان ومازال يسحر الجماهير، ويشدهم إلى عالم الإمتاع والإبهار.
لقد جعلت هذه العوامل الأندية الرياضية مركزاً مالياً ضخماً، ليس بحاجة لتمويل، لأن قدرتها وصلت حد منح المال وإقراضه.
وأخيرا، لابد من معرفة وبيان موقف خبراء الاقتصاد الإسلامي من هذه السوق الضخمة والعالمية، وعدم الابتعاد عنها، بل ضبط ظروف عملها وترشيدها، فأموال كثير من المستثمرين تتجه إلى تلك الأسواق، ويهاجر العديد من اللاعبين إليها، كما أن القنوات الفضائية العملاقة في المنطقة لا تنشط إلا بأحداث تلك السوق، والأكثر تأثيرا مما سبق، أن المشاهدين في بلادنا كثيرون جدا وجميعهم متعلقون بأحداث تلك المباريات وينفقون الأموال الطائلة التي تذهب أكثرها ضمن قنوات الاستثمار السالف ذكرها.

[box title=” الكاتب”]

الاستاذ نعمان عبد الغني

الامين العام للاكاديمية لتكنولوجيا الرياضة – السويد

[/box]


 

19