الجوكم يتغنى: ظاهرة النصر

يدندن.. ويعزف.. ويبحر.. وسنارته تصطاد.. وصيده ثمين.

 نفض غباره، واستعاد هيبته، وأعاد ألوان لوحته التي رسمت الفرح في زمن العمالقة.

 هو ظاهرة تكاد تكون تأثيراتها وتفاعلاتها وصخبها، أبعد من محيط الرياضة، فالامتداد له يظهر حتى في النواحي الاجتماعية.

 شئنا ام أبينا.. النصر لوحة سريالية، ترسم بألوان زيتية، لها أبعاد خادعة في بعض الأحيان، لكنها في هذا الوقت بالذات، عادت لسيرتها الأولى، تسبح في الفرح، وتنام على وسادة السعادة، وتصحو على أنغام الصدارة.

 بغض النظر عما حدث من أخطاء تحكيمية في مواجهة الشباب، وما صاحبها من مد وجزر، فالنصر لبس ثوبا جديدا هذا الموسم، وقدم فريقا يملك كاريزما “نجوم الشباك”، فإلى جانب النجوم المعروفة، فإن الأسماء الصاعدة سجلت أيضا حضورا طاغيا مثل جمعان الدوسري وشايع شراحيلي، وأصبح طاقم العالمي كاملا يمثل قصيدة رصينة قافيتها موزونة، ومعانيها كبيرة، وصورها البديعة تكاد تنثر وردها في كل بيت، وبلاغتها لا تحتاج لمفردات أبدع مما هو موجود.

 الصدارة كانت في المواسم الماضية، عنوانا لسلم ترتيب الفرق فقط، ومع النصر حضرت معها عادات جديدة لم تكن معهودة فيما قبل، حضرت في دفاتر المواليد، وفي الكتابة على السيارات، والرسم على الجدران، وحتى الأساتذة استخدموها على السبورات، أما العاشقون للأصفر والأزرق فجعلوها شعارا لهم “متصدر لا تكلمني”.

 بصراحة أكثر، لقد جعل النصر من صدارته حكاية اجتماعية، فيها من الفكاهة والتحدي والطرفة الشيء الكثير، ولعل المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي، يدرك هذه المستجدات وردة الفعل لها.

 وبصراحة أكثر وأكثر، عودة فارس نجد للواجهة أضفت على المنافسة رونقا خاصا، انعكس حتى على الساسة والمثقفين وحتى أهل العلم والدين، والشواهد كثيرة لا يتسع المقام لسردها.

 النصر منذ زمن بعيد وهو يشكل ظاهرة غريبة، فهو النادي الذي ابتعد عن منصات التتويج لأكثر من “15” عاما ومع ذلك جماهيره في ازدياد، وتستحق بالفعل لقبا بطوليا اسمه “الصمود”، وتستحق لقبا أخلاقيا “الصابرة” وتستحق لقبا إنسانيا “الوفاء”، والأهم أنها مستنفرة في كل الأحوال وعلى كل الموجات.

 النصر.. حكاية لم تمت عندما كان يترنح في سنواته العجاف، وحكاية أخرى تختلف عن كل الحكايات عندما عاد للصدارة فقط، ترى كيف ستكون حكايته لو عاد للألقاب؟!

 بالتأكيد لا يمكننا أن نتخيل ذلك المشهد، لكننا نستطيع أن نسلم أن فارس نجد هذا الموسم مؤهل للألقاب، وأثبت في أكثر من مشهد داخل المستطيل الأخضر، أنه قادر وبقوة على مغازلة تلك الألقاب التي لم يعرفها منذ زمن بعيد.

 باختصار.. رائحة نصر الرمز والأسمراني بدأت تفوح داخل أروقة الأصفر، ولكن العبرة بالنهائيات وليس البدايات.

مقالة للكاتب عيسى الجوكم عن جريدة اليوم

10