الطريقي: «لا تكلمني ترانا هازمينكم»

مباريات «الديربي» في أي دوري تفرض نفسها على مدنها، فهي مباراة لا دخل لها بالنقاط كباقي المباريات، وإن حاول «النقاد السذج» عقلنة سكان المدينة وأنها 3 نقاط ليس إلا، إذ أن القضية بالنسبة لعشاق الناديين ليست نقاطا، بل سلاح سيستمر معه إلى أن يلتقوا من جديد بعد عام، وسيستخدمه دائما ضد قريبه أو صديقه أو زميله بالعمل مشجع فريق الخصم قائلا: «لا تكلمني ترانا هازمينكم».

صحيح أن عشاق النادي لم يسجل أحدهم الأهداف، ولكن وهذا جنون «الديربي» أنه يلغي الأنا المتفردة لعاشق النادي لتصبح «نحن»، حتى عاشق الفريق المهزوم رغم أنه لم يكن مشاركا مع اللاعبين ولا في الاحتياط سيشعر بمرارة الهزيمة، لهذا لن يرد «أنا وش دخلني»، فهو وباقي سكان المدينة شاركوا ولعبوا دورا بالفوز أو الخسارة، كلا بطريقته وحسب اجتهاده.

فثمة من يشتري التذاكر ويقدمها للجماهير لتشجع فريقه، وهناك من لا يملك المال لكنه وبعد صلاته سيتخلى عن أنانيته بأن يدعو لنفسه وسيردد «يا رب نفوز»، وهناك من يأخذه عشقه إلى مكة المكرمة ليأخذ عمرة، وسيتخلى عن كل أحلامه لمصلحة فوز فريقه، فهذا اليوم مفصلي وسيحدد علاقته مع أخيه أو صديقه أو زميله بالعمل الذي يشجع النادي الآخر طوال الموسم، فالخسارة تعني السخرية منه وتجرعه مرارة الهزيمة.

ثمة من يأخذه عشقه لمسارات أخرى خفية ومظلمة، كالصديقين اللذين عادة ما يلجآن «لمشعوذهما» بالخفاء كل مرة ليطلب من الجن لعب دور بالمباراة المصيرية كل عام، أو ليتفاوض مع الجن إن كان الفريق الآخر أدخلهم للعبة، ويقنعهم بألا يتدخلوا بهذه المباراة المصيرية.

وربما الصدفة ستجعل الصديقين يلتقيان أمام حارة «المشعوذ» فينفضح سر كل منهما عند الآخر، وسيكتشفان أن «مشعوذهما» كان يخدعهما، فيذهب كل منهما بحثا عن «مشعوذ» جديد وأمين، وكل هذا لأنهما لا يحتملان هزيمة فريقهما وتجرع مرارة الهزيمة طوال العام.

وهذا ما يجعل مباراة «الديربي» لا دخل لها بالنقاط الثلاث كما يظن من يدعون أنهم «نقاد عقلانيون»، بقدر ما هي مرتبطة بنشوة طويلة لعاشق النادي، لأن من تجرع الهزيمة أمامه طوال العام، يذكره بانتصاراته الوهمية فينتشي.

مقالة للكاتب صالح الطريقي عن جريدة عكاظ

17