الشيخ: إعلامنا المفترى عليه!

في كل انتكاسة تعيشها كرة القدم السعودية أو حدث يهزها يلتفت البعض ناحية الإعلام الرياضي ليوجهوا إليه أصابع الاتهام بالتسبب في الانهيار الخطير الذي أصابها منذ نحو عقد كامل. ليست الجماهير وحدها من تفعل ذلك وحسب، فقبلهم مسؤولون وحتى إعلاميون بعضهم، محبطون وبعضهم غارقون في بحر من المثالية الإعلامية غير موجود في كل أصقاع الأرض إلا في خيالاتهم.

أحداث كثيرة سيئة تزاحمت على كرتنا في السنوات العشر الماضية لاسيما على مستوى المنتخبات الوطنية دفعت على إثرها فاتورة باهظة من سمعتها وذلك بسبب أخطاء إدارية وفنية، بلغت بنا حد تجريدنا من كل حضورنا المؤثر في المشهد الدولي، ومع ذلك نجد أن ثمة من يريد اليوم القفز على تلك الحقائق ليضع الإعلام في مرمى الاتهام بأنه السبب المباشر في كل ما حاق بالكرة السعودية.

الواقع السيئ الذي تعيشه الكرة السعودية ليس على مستوى المنتخبات وحسب بل حتى على مستوى الأندية التي تعيش اليوم واقعاً مؤلماً على أكثر من صعيد، حيث نشهد الانهيارات المادية لبعض الأندية والخلافات الإدارية في بعضها الآخر، فضلاً عن هروب المستثمرين منها، في هذه الأثناء يتجاوز البعض على هذا الواقع الإداري السيئ ليمارس غيه في تقريع الإعلام كما العادة باعتباره معولاً من معاول هدم كرة القدم السعودية.

إذا ما تجاوزنا النواحي الإدارية والفنية ووقفنا على واقع الفوضى التي تعيشها بعض لجان اتحاد الكرة وتسببها في الصراعات التي تنشأ بين حين وآخر بين مكونات الساحة الرياضية، والتي يكون الإعلام بمختلف أنواعه وبشكل بديهي ساحة لها، يخرج من يدير ظهره لهذا الواقع المزري ليوجه الاتهام للإعلام بأنه المرتع الخصب لهذه الفوضى متجاهلاً من يستزرعون تلك الفوضى ويجنون ثمارها.

الأمر لا يقف عند هذا الحد فثمة من يتهمون الإعلام دائماً بالتعصب في ميوله للأندية، وانعكاس ذلك على المنتخب الوطني، ويرون أن ذلك كان سبباً في تفتيت بنيان الكرة السعودية، وإن كان في هذا الطرح بعض من حقيقة لكنهم لا يأتون بالحقيقة كاملة؛ حيث لا يقولون ما هو دور الإعلام في تفاصيل الأمور داخل المنتخب، وكذلك في الأندية كرسم الاستراتيجيات، وبناء الخطط، والتعاقد مع المدربين، واختيار اللاعبين، وترشيح الإداريين لهذه المهمة أو تلك، وكأن الإعلام هم من يفعل كل ذلك!.

من يقول بأن الإعلام ينفث سموم التعصب، ويشعل فتيل المشاكل، وأن ذلك من أسباب تهاوي الكرة السعودية، سأقول له – ببساطة -، فلنعد لحقبتي الثمانينيات والتسعينيات واللتين عاشا فيهما منتخبنا أزهى حضور له أولم يكن الإعلام هو ذاته؟، على الرغم من أن الوعي بالتعاطي الإعلامي يومها كان أقل، والانفتاح الرياضي أضيق مما هو عليه الآن ما يجعل انعكاسات التأثير أكبر، ومع ذلك كانت الانجازات تناطح قمم القارة وتقتحم أسوار العالمية.

ثمة من نظرته لا تتجاوز أرنبة أنفه، لنذهب إلى إسبانيا حيث أحد أهم معاقل كرة القدم في العالم لنعرف ماذا يعني الصراع الإعلامي الحقيقي بين قطبي الكرة الإسبانية “الريال والبرشا”، وكيف ينقسم الإعلام عليهما انقساماً أخطر مما نتصور؛ إذ يبلغ التعصب أقصى مداه، فالصور الفضائحية للنجوم تتصدرها، والاتهامات المباشرة بالرشاوى والفساد تملؤها، والتحريض والاستعداء من أهم عناوينها، والمناكفات والمماحكات وسيلة من وسائل التسويق الذي تتبعه، ورغم ذلك كله بقي المنتخب الإسباني يحكم قبضته منذ سنوات على العالم، فيما ريال مدريد وبرشلونة يسرقان أنظار سكان الكرة الأرضية، بينما يبقى إعلامنا رهن الافتراء عليه!

مقالة للكاتب محمد الشيخ عن جريدة الرياض

17