تركي الدخيل يكتب: الوساطة .. بين سامي وخصومه

كان أبو الحسن الجرجاني من أعلام القرن الرابع الهجري، حين اشتد شغب الشعراء والنقاد على شعر المتنبي، وبخاصة الصاحب بن عباد، فألف الجرجاني كتابه ذائع الصيت «الوساطة بين المتنبي وخصومه». أراد ابن عباد أن يجمع مثالب المتنبي في رسالة له، ومن هنا انبرى الجرجاني الذي يعتبر رمز زمانه في الشعر واللغة ليكتب دفاعا عن المتنبي ضد الاستهداف القاسي الذي مورس تجاه أبي الطيب.

كان المتنبي بحق شاغل الناس ومالئ الدنيا، فقيل عنه كل ما لا يخطر على بال، حتى أنه اتهم باصطحاب الجن واستعمالهم في الشعر، وإذا قرأنا عمل أبو فهر محمود محمد شاكر في كتابه «المتنبي» والذي يعتبر من أهم الأبحاث المعاصرة عنه، سنرى كيف كان شاكر يجمع سيرة المتنبي من شعره فقط، لشدة ما اختلط بالمتنبي من أكاذيب.

غير أن المتنبي لم يكن يأبه لحقد الخصوم، ودسائس الأقران، موقنا أن المرء إذا ارتفع تعالت هتافات الخصوم ضده، فقال بكل ثقة :

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم !

هذه الأيام أشاهد مجموعة من الخصومة بوجه مبدع مثل اللاعب سامي الجابر، واللاعب لا يختلف عن الشاعر والفنان والشيف والطبيب، كل يبدع ضمن مجاله واختصاصه، أحد خصوم سامي ذهب يجمع السنوات التي كان فيها سامي ضعيفا، بينما ترك بقية السنوات التي أبدع فيها. والبعض يقلل من قيمته مدربا، والبعض الثالث يهزأ بقمصانه وساعاته !

وهناك من يعيره بأنه من «سنتر» ثماني مرات في فاجعة مباراتنا مع ألمانيا، وكأنه كان الفريق كله ولم يكن معه عشرة زملاء، ما يؤكد الأثر السيئ للفجور بالخصومة.

لماذا لا ندع الجميع يتذوق اللاعبين ويفضلهم كما يشاء من دون تجريح، فنجوم اللعب مثل نجوم الفن، فمن يثرب على محبي طلال مداح إن لم يستمعوا محمد عبده، أو راشد الماجد، أو عبدالمجيد عبدالله أو غيرهم.

متى نعي أن الاختيارات القائمة على الذوق هي خيارات تعددية، والتعددية، لا تقتضي التناحر، وإلا صارت إلزاما إقصائيا تقطف رؤوس من لا يسلك مسلكها، وإن لم يحن وقت قطافها !

مقالة للكاتب تركي الدخيل عن جريدة عكاظ

17