تكييف قانوني لقضية سعيد المولد

سعيد المولديعتقد البعض من غير المختصين بالقانون بأن القانون الرياضي – ممثلا في انظمة ولوائح لجنة الاحتراف ونظام الاتحاد السعودي لكرة القدم المستمد من انظمة الفيفا – يسير بمعزل عن المبادئ القانونية الثابتة، التي اجمع عليها جمعٌ غفير من فقهاء وشراح القانون في مشارق الارض ومغاربها.
والحقيقة بأن القانون الرياضي، يعتبر احد فروع القانون الخاص، وهو امتداد للقانون المدني الذي يعرف بأبي القوانين، والأساس الذي قامت وتفرعت عنه كافة فروع القانون الخاص.

والحديث عن القانون الرياضي يقودنا للحديث عن اهم أطرافه، وهو اللاعب.
فما هي الطبيعة القانونية لعقد لاعب كرة القدم المحترف؟ وماهي آثار هذا العقد؟ وما نوعية الالتزام الذي يرتبه؟ وهل هناك امكانية لانهاء ذلك العقد؟ وماهي الآثار الناتجة عن إنهائه بالإرادة المنفردة؟

القضاء والفقه الفرنسي استقرّا على ان عقد لاعب كرة القدم المحترف هو عقد عمل.
(فعقد اللاعب اذاً هو عقد عمل تحكمه نصوص نظامية خاصة مُنظمة تتمثل في انظمة الفيفا وأنظمة الاتحاد السعودي لكرة القدم وأنظمة الاحتراف وشؤون اللاعبين).
وهو عقدٌ ذو طبيعة خاصة، يختلف عن عقد العمل المتعارف عليه في خصائص معينة، منها: اطراف العقد، ومن حيث إبرام العقد، ومن حيث نطاق التبعية، ومن حيث الاحكام القانونية التي تحكم العقد، والقانون الواجب التطبيق. الا ان روح القانون واحدة، والمبادئ العامة متشابهة.

وعقد العمل هو عقد يُرتب حق شخصي، يتمثل في قيام اللاعب ببذل العمل محل التعاقد، وكما هو الحال في العقود التي تكون من هذا النوع، يمكن لطرفي الالتزام إنهاء العقد بالإرادة المنفردة مع تحمل العقوبات ان نص عليها القانون، ومع بذل التعويض المستحق نتيجة للإضرار بالطرف الاخر. كما يمكن انهاؤه بالاتفاق، او بنص القانون .
وفي اي التزام يرتبُ حق شخصي، يكون تنفيذ محل العقد مستحيلاً ان امتنع الطرف – الذي يلزمه العقد بالقيام بعمل – عن التنفيذ، وعندها يلجأ الطرف الآخر لجهات فض النزاع لتنفيذ بنود العقد سواءاً لتعويضه وفقاً لما جاء في العقد أو تعويضه وفقاً للقانون.

وفي عقد العمل، يمنع انهاء العقد بالإرادة المنفردة في العقد محدد المدة بدون سبب مشروع، والجزاء المترتب على ذلك حسب نص المادة السابعة والسبعين من نظام العمل السعودي، هي: “تعويض المتضرر جراء ما لحقه من اضرار، وفق ما تقدره هيئة تسوية الخلافات العمالية”.
وفي نظام الفيفا وفي لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين السعوديين، الامر مشابه، فلا يمكن انهاء عقد اللاعب المحترف دون سبب مشروع ، سواء كان ذلك بطلب من اللاعب او من ناديه. ويتضح ذلك في نص المادة السابعة والعشرين من لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين.

ولكن، ماذا لو رغب احد اطراف النزاع في كسر هذه القاعدة، من خلال الخروج عليها وعدم الالتزام بها؟

في الحقيقة، قد راعت المادة رقم 31 من لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين مسألة امتناع اللاعب عن الوفاء بتنفيذ التزامه تجاه النادي من خلال مطالبته بإنهاء عقده دون سبب مشروع وخلال الفترة المحمية.
فالتزام اللاعب تجاه ناديه هو التزام مدني، يعنى ببذل عناية (أي: ان يضع اللاعب إمكاناته وقدراته لخدمة ناديه)، وهو عقد يقوم على الاعتبار الشخصي ، وامتناعه عن الالتزام بمحل التعاقد يجعل تنفيذ العقد (مستحيلاً) ولا يكون امام لجنة الاحتراف او الاستئناف او محكمة الكاس، سوى اجبار اللاعب على التنفيذ بطريق التعويض.
والمادة رقم 31 من لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين تطرقت الى تبعات إنهاء اللاعب للعقد دون سبب مشروع اثناء الفترة المحمية. ونصت على العقوبات المطبقة بحقه، والتعويضات التي يستحقها ناديه.
فاللاعب الذي ينهي عقده مع ناديه دون سبب مشروع وخلال الفترة المحمية، يعاقب بالايقاف 4 اشهر عن المباريات الرسمية، وفي حالة التشديد تكون 6 اشهر، حسب الفقرة الثالثة من المادة رقم 31
والفترة المحمية هي: فترة ثلاثة مواسم كاملة، او ثلاثة سنوات أيهما تأتي اولاً، تبدأ بعد سريان العقد اذا تم توقيعه قبل بلوغ اللاعب المحترف 28 عاماً، وفترة موسمين كاملين او سنتين ايهما تأتي اولاً تبدا بعد سريان العقد اذا تم توقيعه بعد بلوغ اللاعب المحترف سن 28 عاما.
ويتحمل اللاعب وناديه الجديد، سداد مبلغ التعويض للنادي السابق جراء انهاء العقد لسبب غير مشروع. حسب الفقرة الثانية من المادة 31

اما العقوبات المتخذة بحق النادي الجديد الذي حرض اللاعب على انهاء عقده، فإنها تتمثل في حرمانه من تسجيل اي لاعبين جدد خلال فترتي التسجيل القادمتين، والى دفعه لتعويضٍ عن التدريب للنادي السابق بالإضافة الى كونه متضامناً وكفيلاً بدفع التعويض مقابل الاخلال بالعقد.
ويكون النادي متهماً بالتحريض، اذا عمد الى التعاقد مع لاعب انهى عقده مع ناديه دون سبب مشروع خلال الفترة المحمية. حسب الفقرة الرابعة من المادة 31
وأود أن أشير إلى أن المادة رقم 31 من نظام لجنة الاحتراف وأوضاع اللاعبين، هي (ترجمة) للمادة السابعة عشر من نظام الفيفا الخاص بأوضاع وانتقالات اللاعبين.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يتداول البعض بان اللاعب لا يستطيع انهاء عقده الا بسبب مشروع رغم ان لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين اوردت عقوبات تطبق بحق اللاعب ان هو انهى عقده دون سبب مشروع وخلال الفترة المحمية؟
مالهدف من إيراد عقوبات في لائحة اللجنة وفي نظام الفيفا لأوضاع وانتقالات اللاعبين أيضاً، ان لم يكن حدوث الواقعة التي ترتبها ممكنا؟

واستغرب حقيقة ممن يقول: ما فائدة العقود ان لم تحترم ولا يُلتزم بها؟
فالعقود تنشئ التزامات ويكون الوفاء بها هو الأصل، وللسلطة المختصة الحق في الزام المدين بتنفيذ العقد ، فإن استحال ذلك كما اوضحت مسبقاً، ننتقل عندها الى طلب التعويض، فيعاقب المدين (في حالة النص على عقوبة) ويعوض الطرف الآخر. وبعبارة اخرى يمكن القول: نفذ التزامك، او تحمل العقوبة وادفع التعويض.

ولمن يظن بأن تراجع اللاعب عن التوقيع بإرادته المعتبرة شرعاً ونظاماً وبكامل اهليته، حجة عليه وذريعة لإجباره على الالتزام بالعقد فهو مخطئ، لأن العقود التي ترتب حق شخصي: كقيام بعمل او امتناع عن عمل، يمكن للشخص التحرر منها مع مساءلته قضائيا ان امتنع لاستحالة تنفيذ محل الالتزام ، اما التي ترتب وتنشئ حق منقول او عقار؛ أي ان يكون فيها محل العقد شيئاً كبيع سيارة او منزل، فلا يمكن ذلك ويستطيع الدائن إلزام المدين بتنفيذ عين ما التزم به بالاستعانة بالسلطة القضائية.
وخلاصة القول: اذا كان محل الالتزام قيام بعمل او امتناع عن عمل او بذل عناية، ومن ثم امتنع طرف العقد عن تنفيذ محل الالتزام ، فيكون الممتنع مستحقاً للعقوبة ومجبراً لبذل التعويض، كما ذكرت في بداية حديثي.

تداول البعض مقولة مفادها بأن قرارات لجنة الاحتراف لا تقبل الاستئناف، وهذا خطأ في فهم القانون، لأن لجنة الاحتراف في قضية سعيد المولد تقوم بعمل هو في اصله من اختصاص غرفة فض المنازعات التي ستباشر عملها ابتداء من 9/2/2015 ، وكانت قضية سعيد المولد هي اخر قضية من اختصاص غرفة فض المنازعات تنظرها لجنة الاحتراف، كما بين الدكتور عبدالله البرقان.
ومن اهم اختصاصات غرفة فض المنازعات: جميع منازعات عقود اللاعبين ووكلائهم والمساهمات التضامنية وبدل التدريب.
ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان تصدر أية لجنة – تمارس دورا قضائيا – قرارها في نزاع حاصل بين طرفين، دون ان يكفل القانون لأطراف النزاع حقهما في استئناف ذلك القرار او الطعن فيه امام درجة تقاضي ثانية واعلى من الاولى.
ففي قضية عبدالعزيز الجبرين، اتخذت لجنة الاحتراف قرارها بإيقاع عقوبات على جميع اطراف النزاع.
وبعد ان تقدم من تقدم بالاستئناف، قامت لجنة الاستئناف بقبول استئناف نادي الرائد والنصر من حيث الموضوع، وعدلت لجنة الاستئناف قرار لجنة الاحتراف المبني على المادة رقم 52 تقسيم 1، والمادة رقم 52 تقسيم 1 تقسيم 3 من لائحة الاحتراف واوضاع اللاعبين.
بل ان الفقرة التاسعة من المادة رقم 58 من لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين، نصت على أن يكون الطعن في قرارات اللجنة امام لجنة الاستئناف بالاتحاد السعودي.
وبالعودة الى النظام الاساسي للاتحاد السعودي فقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثامنة والاربعين على أن: قضايا اوضاع اللاعبين التي يكون الاتحاد طرفا فيها او احد اعضائه او اللاعبين او المسئولين ووكلاء اللاعبين يتم تسويتها من قبل هيئة التحكيم، والقرار في اي حالة يكون خاضعا للاستئناف وفقا للنظام الاساسي.
وهيئة التحكيم، عرفها النظام الاساسي بأنها الجهة المخولة بالفصل في المنازعات الرياضية. والتي ستباشر عملها غرفة فض المنازعات، التي تتولى لجنة الاحتراف عملها مؤقتاً كما اشرت مسبقاً. فكيف يقول قائل بأن قرارات اللجنة التي تخص المنازعات الرياضية لا تستأنف؟

وعدم وجود حالة مشابهة وقعت في أروقة الفيفا تشابه حالة سعيد المولد في مطالبته لانهاء عقده من طرف واحد ودون سبب مشروع، لا يعني عدم امكانية حدوثها، فكل الحالات التي دخلت اروقة الفيفا كانت في يوم من الأيام حالة جديدة واستثنائية، ثم تعارف عليها وتحول بعضها الى سوابق قضائية تكمل الفراغ الحاصل في الانظمة واللوائح الرياضية.
والأندية واللاعبين يرعون مصالحهم، وفي الاخلال بالالتزامات التعاقدية اخلالاً بمصالحهم ولا اظن لاعب محترف يفضل ايقافه لمدة 4 اشهر، اضافة الى دفعه للتعويض في ظل وجود نص صريح وواضح لهذه العقوبات. واغلب اندية العالم ايضا لا اظنهم يفضلون حرمانهم من تسجيل لاعبين جدد لفترتي تسجيل بالإضافة الى تضامنهم مع اللاعب في دفع تعويض لناديه السابق ان حرضوا لاعبا انهى عقده دون سبب مشروع وخلال الفترة المحمية، علماً بأن التحريض يفترض بمجرد التوقيع معه!
كما ان الغالبية العظمى من اللاعبين والاندية، عقودهم تتضمن شروطا جزائية ، تمكنهم من انهائها في اي وقت يشاؤون، دون ان تطبق بحقهم المادة رقم 31 من لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين، او المادة السابعة عشر من نظام الفيفا المعني بأوضاع وانتقالات اللاعبين.
فلا غرابة من عدم وصول حالة مشابهة لهذه القضية الى الاتحاد الدولي لكرة القدم لما اوردته من اسباب.

جابر سعد
قانوني مهتم في لوائح وأنظمة كرة القدم.
تويتر: @jabers20

10