يوسف الزهراني : استطعنا بس ما استطعنا

ليس شيء أكثر دقة من وصف ما يدور في ساحاتنا الرياضية بالجدل البيزنطي الذي لا طائل منه سوى إهدار الوقت وقبله الأخلاق، حتى لكأني بما يحدث بين أنصار هذا الفريق وذاك ثورة بلشفية، فبرغم أن من قام بها كانوا على درجة كبيرة من الأمية الرياضية، إلا أنها اعتمدت على انبهارهم بمن أشعلوها إعلاميا دون أن يفقهوا شيئا من نواياهم، رغم أنها لا تعدو في أعلى مراتب التوصيف أن تكون تشظيا قائما على الانفعال العاطفي الوجداني لإعلاميين تائهين عشش في رؤوسهم شيء اسمه التعصب.

هو موقفي، ليس عنادا ولا تشبثا بلون، بل انحياز نحو عقلي، وانحياز نحو كل ما تعلمت وقرأت كي أتمكن من استعماله في حدث مفصلي كهذا، وكي لا أسلم بالأشياء فقط، لأن الغوغائيين يريدون ذلك.
ولأن بوصلة الشارع لا تخطئ، فإنني لا أحب السير مع القطيع الذي تقوده الغربان، ولا أحب ردود الأفعال التي لا تعرف سوى فتنة الخلاف لا نكهة الاختلاف، فالثيران لا ضروع لها لتنتج الحليب، ولا أتوقعها تنتج فلسفة ذات أثر، بينما الاختلافات العظيمة يوقدها عظماء وتضيئها عقول، وانعدام مثل هؤلاء في إعلامنا يحول أي اختلاف إلى انفعال أهوج بلا نتيجة سوى الدمار الفكري.
الاختلاف انعكاس لصراعات عميقة، وثقافته انعكاس لفلسفة تغذيها، فلكل رأيه وفلسفته، وبالتالي له أبطاله في الميدان، وغياب الفكر لدى كثير من الكتاب الرياضيين لدينا يجعل الفعل تمردا لا يحمل إلا صفات الانفعال الغوغائي، فما نشاهده عبر وسائل التواصل المختلفة ليس خربشات مراهقين أو نزوات متنافسين، بل مانشيتات أقل ما يقال عنها أنها وقحة، يقرأها الصغير والكبير والعاقل والجاهل في آن.
ومع أنهم يعلمون أن الاختلاف سمة الحياة وديدنها، ولولاه ما كانت نكهة الرياضة، ومع أنهم يعلمون أنه وارد في كل شيء، في الأذواق، في الآراء، وحتى في تبدل المواقف، وضروري لهم كرياضيين يعيشون في جو مفعم بالتناقضات، إلا أنهم قاموا بتلوينه مستخدمين في ذلك الألوان القاتمة، فهذا الكاتب يقدح، وذاك الإعلامي يردح، وبينهما متلق يرتح، حتى جعلوا من الكتابة كآبة، وبات الكثير منهم متزلفين، متملقين، متسولين، مت، مت، متلونين!
صحيح أننا استطعنا انتخاب اتحاد كرة، لكننا لم نستطع انتخاب العقل، فكل قراراتنا تحكمها الأهواء والألوان!
صحيح أننا استطعنا عقد ميثاق شرف إعلامي، لكننا لم نتشرف يوما بحمل ذاك الشرف!
صحيح اننا استنسخنا التجارب العالمية كلها، لكننا لم نستطع استنساخ فكر فيصل بن فهد!
إن الأمر جد خطير على أخلاقنا قبل رياضتنا، ولا بد من ترتيب الملعب، وإعادة رسم الخطة، وتشكيل اللاعبين، لغاية واحدة هدفها إعادة العقول إلى أماكنها في زمن باتوا يفكرون فيه بأقدامهم.
فهل يحق لنا أن نحلم بمستقبل خالٍ من التعصب؟
وإعلام يفتح ذراعيه لكل ما هو لائق؟
هل، وهل، وهل…؟
استفهامات أرجو ألا تذيـل بعلامات تعصب ــ عفوا ــ تعجب!.

9