الشيخ يكتب: الاتفاق بين عامين

أقل من عام مرّ على هبوط الاتفاق للدرجة الأولى، وهو الحدث الصادم الذي سُجِل كواحد من أهم الأحداث الرياضية في عام 2014 لكنه بمسافة قرن من الأحزان في وجدان محبي فارس الدهناء، هي بالتمام ثمانية أشهر ولا تزيد؛ لكنها في عمر الزمن بطول تاريخ الكرة السعودية الذي يحفظ للاتفاق بامتنان أنه أول من أضاء لها طريق الانجازات، وأول من أذاقها طعم البطولات، وأول من طوق عنقها بالذهب، وأول من كتب اسمها في سجل الأمجاد.

ثمانية أشهر ولا تزيد إلا أنها استولدت من الأحداث ما لم يعرفه الاتفاقيون على مدار عقود؛ ففيها هبط الفريق فكانت الفاجعة، فتداعى الاتفاقيون شيباً وشباباً تسبقهم صرخاتهم وتخنقهم عبراتهم يتزاحمون عند أبواب النادي أياماً مطالبين “رئيسهم الذهبي” بأن ينوخ راحلته ويوقف مسيرة الأعوام ال30، في مشهد مثقل بحمولة درامية لم يعرف أبناء الساحل الشرقي مثيلاً له.

في تلك الشهور أثبت الاتفاقيون أنّ ناديهم أكبر من أن يختزل في شخص مهما بلغت رمزيته، وأعظم من يختطفه ثلة رقصت على أحزانه في واقعة “الراية” الشهيرة التي هندسها من أطلقوا على أنفسهم “المطاليق” في تلك الليلة التي بكت لها الدمام رافضة ما فعله كذابو الزفة.

في تلك الشهور عرف الاتفاقيون “رئيسهم الشرفي” عبدالرحمن الراشد كما لم يعرفوه من قبل فكان رجل اللحظة الحاسمة، وصاحب الكلمة الفصل، وفيها تعرفوا عن قرب على “رئيسهم التنفيذي” عبدالرحمن البنعلي الذي رسم بريشة فنان ماهر لوحة الحلم الوردي فأغض مضاجع الاتفاقيين وأرّق عيونهم بانتظار ساعة الحقيقة، خصوصاً بعد أن قال ودون مواربة: “رئيسا جاهزاً وإدارته الفتيّة تنتظر ساعة الصفر”!.

في ذات الشهور عاشوا تفاصيل الحلم الوردي مع مهندس المرحلة الجديدة خالد الدبل الرئيس المنتظر الذي رأوه يحمل إرث الراحل عبدالله الدبل رجل الاتفاق الأول وأحد عرابي الرياضة السعودية بكل ما يحوي ذلك الإرث من مكنونات تثقل الكاهل، وهم الذين عرفوه شاباً يتنفس الاتفاق عشقاً، فتداعوا خلف الجمعية العمومية تسبقهم الرغبة في التغيير، ويدفعهم الأمل بالعبور إلى ضفة جديدة عنوانها “تشبيب الاتفاق”.

في الشهور نفسها تساقطت الصورة تلو الصور كتساقط أوراق الخريف، بين حالم في كرسي أكبر من أن يحويه، وبين راغب في استعادة مجد مضى، وبين راقص على حبال الخلافات، وبين متوهم أن عقارب الزمن يمكن أن تعود للوراء بحفنة أموال، أو بحفلة مفضوحة الأهداف، ففي هذا الوقت الحاسم من عمر الاتفاق لا مكان للعب في المنطقة الرمادية.

الأجمل في كل تلك الشهور هو الشهر الثامن الذي امتطى الفارس فيه صهوة الصدارة في طريق استعادة نياشين انتصاراته التي أضاعها ليلة السقوط الكبير إذ تظافرت فيه جهود الأبطال الحقيقيين خلف الكواليس، وتعاظم فيه دور المدرج حيث الجمهور الوفي، وأثبت فيه اللاعبون على خشبة المسرح أنهم أكبر من يلعبوا أدوار الكومبارس، بمستويات ثابتة، وأداء راقٍ، وروح فيها من روح النواخذة.

بين عام 2014 وعام 2015 ثمة رواية اتفاقية فيها من فصول الحزن الساكن في حنايا القلوب، ومن فصول الفرح المكتوب بحبر الآمال ما يكفي ليرويه شهود أمناء على العصر، وعلى الحقيقة التي حاول البعض تزييفها وتغييب كثير من معالمها وما زالوا يحاولون.

مقالة للكاتب محمد الشيخ عن جريدة الرياض

12