بتال القوس: «الفاشل» .. سامي

.. وقد قيل في العشق فيما مضى:

أنتِ النعيم لقلبي والعذاب له.. فما أمرّكِ في قلبي وأحلاك

ولذلك لا يستطيع كثير من الهلاليين التفريق في تعاطيهم مع سامي الجابر المدرب، وسامي الجابر اللاعب.

.. الصورة تتكرر في حياة العشاق على سطح البسيطة، يغيّبهم العشق عن رؤية الحق، فتبدو المساوئ حسنات، والصغائر إنجازات، ويستطيل العشق أمام صاحبه، فيحجب عنه ما سواه، حتى لم يعد في عينيه شيء سواه.

الأسطورة الحقيقة الوحيدة في كرة القدم بالنسبة لي هو مارادونا، وأزعم أني عضو فاعل في رابطة المارادونيين حول العالم، وحين تولى مهام تدريب المنتخب اللاتيني ذي القمصان المقلمة في المونديال الأخير، وهو فريقي المفضل أيضا إكراما لعيني ابن أرماندو، قلت في نفسي: ليتك لم تفعل يا دييجو؟ مع هذا دعمته في كل المباريات حتى سقط برباعية مذلة أمام ألمانيا، وضح فيها أن مارادونا اللاعب بروفيسور وأن مارادونا المدرب طالب فاشل بجدارة، وكتبت بعدها في مقال أشبه بالخطبة التأبينية لمارادونا المدرب: “لا تحزن دييجو ما زلنا نحبك، ورغم أن الألمان انتصروا عليك لاعبا، لم تهتز ثقتنا فيك كأسطورة، اليوم انتصروا عليك مدربا، وثبت فعلا أنك مدرب فاشل جدا”.

لو كانت كرة القدم ستجامل أحدا بعد اعتزاله وانتقاله من داخل الملعب إلى حدوده، لكان مارادونا الرجل الوحيد الأحق بتلك المجاملة، أليس هو من سكب المتعة في كل كؤوس المستديرة. شيء من هذا لن يحدث، لأن بين العمل المستند إلى التأهيل المنهجي والعلمي من جهة والأماني على آخر الطريق، مساحة كبيرة لا يمكن عبورها دائما اتكاءً على التاريخ فقط، وبالذات في كرة القدم، وهيهات أن تقنع العشاق؟ والعشق لا يفرق فيه بين طعم الثلج والنار كما قال نزار. ولذلك يبدو الخوض في قضية فشل الجابر المدرب مهمة انتحارية لا تخاطب فيها العقول، وتدور في فلك العشق والثبور.

لم يفشل سامي الجابر المدرب، بسبب خروج الهلال من الموسم المحلي بلا ذهب، هذا أمر قد يحدث مع أعتى المدربين، يقابله أيضا أن الهلال نفسه حقق بطولات أيضا مع مدربين لا أحد يتذكر أسماءهم دون العودة إلى السجلات والأوراق، وأي مدرب يستمر مع الأزرق الكبير في أربع بطولات متتالية، مؤكدا أنه سيحقق إحداهن، ولكن سامي فشل لأنه قدم لنا هلالا شاحبا، تفنن في خنق حناجر أنصاره، وتلذذ بمد يديه إلى أفئدتهم واعتصارها قبل أي مواجهة، كبر أو صغر الخصم.

حتى وإن استيقن عشاق سامي في دواخلهم فشل حبيب قلوبهم، إلا أنهم لن يعترفوا به علانية أبدا، وسيقولون إن هلال سامي وصيف بطولتين محليتين. وتلك حقيقة، لكن وجهها الآخر، يكشف أن الهلال صمد في المنافسة متمسكا بأهداب كبريائه وتاريخه لأن غريمه التاريخي فاق من غفوته، وكان لزاما على الأزرق أن يقف موقف التحدي والند للند، ويصمد في وجه الأمواج والرياح حتى ولو كان على سطح قارب مثقوب.

أغلب محبي الجابر ومناوئيه، قالوا إنه استعجل الخطى، وحاول القفز من السفح إلى القمة، ووحده الجابر كان يرفض هذه العبارة، والحكمة الإنجليزية تقول: لا يكفي أن تصدق نفسك حتى يصدقك الآخرون”، الأهم من هذه الحكمة أيضا، أن الجابر ظل يردد في كل مرة، تاريخي في الملاعب عشرون عاما، يشفع لي باختصار الخطى إلى المقعد الأول في الإدارة الفنية، ونسي سامي أيضا أن “السفر المتوالي بالطائرة، لا يعني القدرة على قيادتها في السماء”، ولو تصور أنه يستطيع فعل ذلك، لكان خبرا عاجلا على كل وسائل الإعلام، كما فعل بالأزرق هذا العام.

مقالة للكاتب بتال القوس عن جريدة الاقتصادية

15