الاحيدب: على العقلاء حقن دماء تتويج النصر

عندما يتعلق الأمر بخطر يهدد نفسا بشرية واحدة فإن كل قوانين الأرض الموضوعة من البشر تقبل الاستثناء، وكل القناعات لابد أن تتغير لحماية هذه النفس، استجابة لأمر خالقها العزيز الحكيم الذي قال عز من قائل (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)..الآيه.

نحن ككتاب رأي اجتماعي يعنينا بالدرجة الأولى سلامة الإنسان وصلاح المجتمع وقد نفقد، بسبب نقدنا، الكثير من العلاقات والمصالح وربما الحريات، هذا ونحن نكتب في الشأن العام فكيف إذا دخلنا بحر الرياضة متلاطم أمواج الميول الذي لا يقبل فيه تيار أن يوافق الآخر ولا يعرف مبررا لرأي إلا بربطه بالميول، وبالرغم من إدراكي لحقيقة وحساسية الوسط الرياضي إلا أنني أرى أن سكوتنا على تعريض نفس لخطر الموت هو سكوت عن الحق لا يفعله إلا شيطان أخرس أو جبان يخشى التفسيرات.

اتحاد كرة القدم السعودي أصر على أن يتم تتويج نادي النصر ببطولة الدوري في مباراته مع نادي التعاون في القصيم، وهذا معناه أن الجماهير الغفيرة المتعطشة لذلك التتويج والتي سجلت أعلى أرقام الحضور في الدوري وتجاوز حضورها منفردة لبعض مباريات فريقها مع فريق ضيف غير جماهيري ٤٢ ألف متفرج، سوف تتسابق للقصيم في يوم دوام أفاقت فيه منذ الصباح الباكر وستنطلق قبيل العصر لتقطع أكثر من ٣٠٠ كيلومتر بأعلى سرعة وتعود ليلا دون نوم!!.

أرتاد نصف طريق الرياض ــ سدير ــ القصيم كل نهاية أسبوع تقريبا متوجها إلى جلاجل وأعيش فيه رعبا من السرعة الجنونية والتجاوز من اليمين أو كتف الطريق والانحراف المفاجئ ويشهد الطريق رغم اتساعه حوادث يومية مروعة وشهد العديد من الخسائر في الأرواح واحتراق السيارات وتفحم الجثث، وكل ذلك رغم أن ارتياده لا يمكن أن يصل لنسبة واحد من الألف لما سيحدث يوم التتويج!!، فكيف ستكون الحال إذا تدفق الآلاف خلال فترة زمنية محدودة بخمس ساعات؟!.

الأمر لا يحتمل المجازفة لمجرد إصرار على قانون لعبة أو قرار لجنة مسابقات فالاحتياط من أخطار أقل احتمالا جعلتنا نعلق الدراسة ونؤجل رحلات طيران ونخلي قرى كاملة ونغلق طرقا جبلية وعقبات، ويجب على العقلاء وتحديدا رجال المرور تحذير وتنوير أعلى الجهات المعنية والحريصة على تفادي الكوارث، فالمجتمع يعيش هذه الأيام حالة حزن عارم بسبب حادث واحد ذهب ضحيته خمسة من أبناء مدير جامعة الجوف، فكيف بعدة حوادث متوقعة إذا أصرت لجنة كرة قدم على موقف يفتقد للحكمة.

إدارة النصر مطالبة في حال عدم نقل المباراة بتأجيل التتويج ليتم في مباراة ودية أيا كانت، فالمهم أن لا تجعل من تتويج فريقها سببا لحزن أحد أو المجازفة بنفس بشرية واحدة ففينا ما يكفينا من أحزان الحوادث.

مقالة للكاتب محمد الاحيدب عن جريدة عكاظ

9