بتال يكتب: ستاد عملاق مجهول

منذ أن تخرجت بالبكالوريوس في جامعة الملك سعود، عدت لزيارتها أكثر من مرة، أولها بعد أعوام من التخرج لتقديم أوراق الماجستير، وآخرها قبل شهرين لزيارة صديقي طبيب الأسنان في عيادة الكلية.

.. وفي كل مرة كان طريقي يمر بملعب الجامعة لكرة القدم الذي يحتل مساحة جيدة في شمال المدينة الأكاديمية الكبيرة. وفي كل مرة تعود بي الذكريات لأيام كان فريق كليتنا في الآداب هو المسيطر غالبا على بطولة كرة القدم في الجامعة، إلى درجة أن طلاب الكليات الأخرى كانوا يتندرون علينا قائلين: “طبيعي تفوزون بالبطولة كل عام، كليتكم سهلة ما وراكم إلا الكورة”.

ورغم أني تعرفت على فريق كلية الآداب في وقت متأخر أواخر التسعينيات الميلادية مع مغادرة أبرز نجومه خريجين إلى الحياة العملية، وكان أغلبهم نجوما في فرق الكرة المعروفة في البلاد، إلا أن المنافسات في الجامعة آنذاك، بقيت محتفظة ببعض جاذبيتها وأهميتها وببعض المواهب أيضا رغم ضعف الإمكانات، وأولها قلة الملاعب التي تستقبل كل فرق كليات الجامعة في التمارين والمباريات أيضا، حين كان الحرم الجامعي لا يضم إلا ملعبين: رئيسا ورديفا يستقبلان تمارين كل فرق الكليات ومبارياتها أيضا.

قبل شهرين .. وبعد غياب ثلاثة أعوام عن أسوار الجامعة، فوجئت في المدينة الرياضية العملاقة التي بُنيت في الركن الشمالي الشرقي من الحرم الجامعي، ستاد عملاق، جذاب، صمم بإبداع هندسي فائق يحاكي ستاد المونديال الشهير في كوريا الجنوبية، يجبر المار من جواره للمرة الأولى على الوقوف والتمعن فيه والتجول في مرافقه، وكثير من سكان العاصمة لا يعرفون عنه شيئا.

تضم المدينة الرياضية ستادا رياضيا يستوعب نحو 25 ألف مقعد متفوقا على ملعبي فيصل بن فهد ومحمد بن فهد في الرياض والدمام، وصالة ألعاب رياضية لجميع الألعاب الرياضية الأولمبية، ومضمار ألعاب قوى للصالات تضم سبعة آلاف مقعد للمتفرجين، ومسابح أولمبية للجامعة تحوي خمسة آلاف مقعد وفق الشروط الأولمبية العالمية، إضافة إلى صالات رياضية لألعاب الدفاع عن النفس، والجودو، والمصارعة، وملاعب تنس أرضي، أيضا صالة الألعاب المختلفة التي تضم صالة ألعاب لكرة السلة، وكرة اليد والطائرة، والإسكواش والريشة.

المدينة الرياضية الجامعية كلفت أكثر من 215 مليون ريال، وهو رقم متواضع إذا ربط بالإمكانات التي وفرها لرياضيي الجامعة، وتفكر إدارة الجامعة في استثماره بما يدر عليها بعض المكاسب المالية وهذا حق متاح مباح، ولكن.

.. مع توافر هذه الإمكانات الضخمة، هل تعيد الجامعة النظر في النشاط الرياضي الأكاديمي؟ يجيب أحد الأساتذة فيها: “مع تقنين الاحتراف في كرة القدم السعودية خرجت الجامعات من سباق تقديم المواهب خاصة أنها لا تضم فرقا للدرجات العمرية الدنيا”. وحديثه صحيح وحقيقي .. أيضا .. ولكن ..!

.. مصداقا لحديثه، لا تعرف كرة القدم المحترفة في كل مكان لاعبين خرجوا من أسوار الجامعة، ولكنها تعرف الكثيرين من الأبطال الأولمبيين في: السباحة، ألعاب القوى، السلة، التنس، ألعاب الدفاع عن النفس، الإسكواش، وغيرها، ولذلك مع وجود هذه البنى التحتية الضخمة فإن الصرح الأكاديمي العملاق – جامعة الملك سعود -مدعو إلى سن امتيازات أكاديمية جذابة للرياضيين تكفل تخريج أبطال أولمبيين مهمين، وفي ذلك أقترح:

استقطاب رياضيين يحملون بذور التفوق في الألعاب المختلفة من المدارس الثانوية وتوفير منح دراسية لهم في الجامعة مقابل التفوق الرياضي، وإعدادهم وتحضيرهم للبطولات العالمية كما تفعل الجامعات الغربية.

– منح المتفوقين رياضيا من أبناء الجامعة امتيازات في مشوارهم الدراسي، تشمل التقييم التعليمي، والمعسكرات وتسهيل بعض الصعوبات الأكاديمية.

– تنشيط الفعاليات الرياضية المهملة في الجامعة وإعادة المنافسات إلى سابق عهدها.

– تفعيل المسابقات الرياضية بين الجامعات المحلية.

– تشكيل وفود رياضية لزيارة الجامعات الغربية وإقامة منافسات ودية معها.

لا يمكن أن نطالب كل المنضمين للجامعات بالتفوق الدراسي فقط، كثير منهم لديه مواهب أخرى تستحق الرعاية والسقاية والاهتمام، ويمكن أن تقدمهم الجامعة للمجتمع كناجحين غير متفوقين دراسيا.

مقالة للكاتب بتال القوس عن جريدة الاقتصادية

9