التعصب الرياضي والنشء

النشء ومدى تأثرهم بأجواء التعصب الرياضي السائدة على مواقع التواصل الاجتماعي

دعنا نتفق أن كل شيء مهما كان بسيطًا يؤثر في سلوك النشء ويجعلهم عرضة لأن يتبنوا خصالًا بعينها، خصالًا من الممكن أن تستمر معهم على مدى حياتهم، لذلك يجب على المجتمع أن يتحلى بمسؤوليته وأن يتمثل نمطًا صحيحًا في مواقفه وسلوكياته، بالطبع لا نعني بالمجتمع هنا جميع أفراده، فهذا شيء مُعجِز؛ وإنما نقصد غالبيته؛ أو على الأقل من هم في موضع الشهرة وذيوع الصوت ممن يتتبعهم الناس ويضعونهم موضعًا من التقليد والاقتداء.
وبالنظر إلى حال المجتمع السعودي حاليًا نجد بروز نوع مشين من التعصب الرياضي، ذلك التعصب الذي يولد بين الناس كثيرًا من الشقاق والتلاسن، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلًا، لكن رفضه بالكلام لا يكفي لدرئه ومعالجته، وإنما العلاج يبدأ بتتبعه وتحديد أسبابه.
في سابق الأزمان كان كل الأشياء البسيطة، الفرق الرياضية تنافس بعضها البعض في المسابقات المختلفة، والجماهير تحضر المباريات أو تشاهدها على التلفاز، والتشجيع والتشجيع المقابل يتم في إطار أخوي نابض بالمرح والسعادة، لم تكن هذه المباريات مفرد لها برامج خاصة أو قنوات خاصة على مدار الساعة كما هو الحال الآن، كانت بالفعل الرياضة موضوعة في إطارها المناسب دون تهويل أو تهوين.
أما الآن فقد اختلفت كل الأشياء، ما كان بسيطًا مثارًا للمرح والمتعة؛ صار اليوم معقدًا ومحفوفًا بما لا يحصى من التفاصيل، الأمر الذي يجتر معه كثير من نقاط الافتراق والتهويل، لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في صب الزيت على النار كما يقولون، وذلك بتوفيرها منبرًا خاصًا لكل من يريد أن يتحدث، بل وسهلت إيصال صوته إلى عدد كبير من الناس، وهو أمر له إيجابياته وسلبياته، فعلى مستوى التأثير والتأثر صار الأمر دون حدود، والجيل الشاب صار أكثر عرضة لاكتساب صفات سلبية من نحو التعصب والكراهية ونحوهما، وذلك بناء على ما يتم تناوله على شبكات التواصل الاجتماعي من أفكار غير مناسبة لوعيه وسنه.
تمثل شريحة ما يعرف بـ “مشاهير التواصل الاجتماعي” الركيزة الأساسية التي عليها يقوم التعصب ويتأجج كما لم يكن من قبل، ولعل هذا التعصب يظهر في أعلى معدلاته فيما يتعلق بالرياضة، ومن المعروف أن هؤلاء المشاهير بالنسبة للجيل الصغير أو النشء يمثلون أشياء كبيرة ورأيا شائعًا يلتفون حوله، من هنا فإن كل كلمة ولو صغيرة منهم تنفث نارًا لا نهاية لها من النزاع والخلاف بين المشجعين الراشدين على اختلاف انتماءاتهم، فما بالنا إذًا بالنشء الذي ينتظر أي ساحة رأي كي يثبت فيها نفسه ووجوده، الأمر الذي يدفعه دفعًا باتجاه اتخاذ مواقف تشجيعية أكثر حدة وتطرفًا، حيث السباب والشتائم وغيرها من الممارسات الغير مقبولة.
لا تتوقف تلك الممارسات من قبل النشء على التعبير عن آرائهم بحدة، بل تمتد لتستقيم في نفوسهم خصالًا وأفكارًا لا تفارقهم مدى حياتهم، الأمر الذي يهدد بشكل حقيقي السلام المجتمعي حاضرًا ومستقبلًا، ويمهد لابتعاد أبناء هذا الوطن عن الالتفاف بالوطن وآماله ومشاريعه الوطنية والاستعاضة عن كل ذلك بمهاترات رياضية غير حقيقية تتعدى حدودها الترفيهية لتصبح ملء السمع والبصر ومؤثرة أي تأثير في مسيرة الوطن ككل.
على كل شخص يتابعه أشخاص كثر على مواقع التواصل الاجتماعي أن يتحلى بروح المسؤولية وأن يعرف جيدًا أن كل كلمة يلقي بها ولو على سبيل المزاح تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على النشء، وتأثيرها عليهم يندرج تحت بند بناء شخصياتهم وتحديد أطرها، وهو أمر جد عظيم أن تكون مؤثرًا بذلك القدر في نفوسهم، وهو شيء يدعوك لتحري سلوكك والابتعاد عن التعصب والظهور في موضع القدوة التي تنشر السلام وتقود المجتمع ككل إلى مرافئ السلام والخير.
إن الوطن في حالة مفصلية من تاريخه يتربص له فيها الجميع، وهو حاليًا في أمس الحاجة إلى دعمه وتقوية شوكة أبنائه للقيام بأعبائهم في مسيرة انتقاله إلى حقبة 2030، والنشء هنا هم أساس تلك النهضة المستقبلية، ونشر روح الأخوة والتلاقي فيما بينهم هو واجب على كل شخص محب لوطنه.

 

15