الكرة العربية بين الذات والموضوع

تشاء الظروف أن نكون نحن العرب عاطفيين بشكل كبير جدا، ما أثر على سلوكنا وطقوسنا وأمزجتنا وحتى تصرفاتنا، حيث مازلنا لا نفرق بين الذاتي والموضوعي، ونخلط الأوراق بين الجانبين دون إدراك أن البون شاسع بين القريب والصديق ومن تربطنا به علاقة لا صلة فيها بالعمل أو بالعلم وبين الموضوعي الذي لا يخضع إلا للعقل وتستند الأحكام فيه إلى النظر إلى الحقائق على أساسه.

وإن كانت الذاتية تعني الفردية، أي ما يخص الذات والشخص الواحد، الذي يبني أفكاره انطلاقا من الوجدان والشعور، والذوق، فإن الموضوعي هو إدراك الشيء أو الاشياء على ما هي عليه، وبكل حياد واستقلالية عن الذاتية الضيقة، وبالتالي اعتماد العقل.

قد يكون المقال فلسفيا إذا تعمقنا فيه وتوغلنا في ثناياه من حيث كل جوانبه، سيما وأن عديد الفلاسفة والمفكرين غاصوا في هذا الجانب، رغم اختلافاتهم الجزئية، بحسب الطبيعة والظروف، بما في ذلك النفسية والإجتماعية، غير أن المقصود من تناول هذا الموضوع، هو ما يحدث في كرتنا العربية التي تشهد العديد من التجاوزات والتي جعلتنا رغم ما يتوفر من تجهيزات واعتمادات واهتمامات نتأخر عن الركب بالشكل غير المناسب، تجلت حقيقته في كأس العالم الأخير بروسيا والذي عصف بمنتخباتنا الأربعة العربية ( السعودية وتونس ومصر والمغرب)، للانسحاب المبكر ومنذ الدور الأول.

والمطّلع على حقيقة ما يجري في الأندية العربية ومن الخليج إلى المحيط، وإن يدرك أن المغذّي الحقيقي للمنتخبات هي الأندية، فإنه يدرك أيضا أن أغلب هذه الأندية مازالت تدير شؤونها بالعاطفة والوجدان، وبالذوق والمزاجية وبالتالي بالذاتية، رغم ما يقال عن الاحتراف، الذي نراه أحيانا نوعا من الانحراف، حيث كثيرا ما يتدخل مسؤول في شأن مدرب، بحسب مزاجه، ( دون تعميم لكل المسؤولين طبعا) كما كثيرا ما ينساق المدرب، (ودون تعميم أيضا لكل المدربين)، مع مزاجية هذا المسؤول باعتبار أنه هو الفاتق الناطق بأمر النادي، وبمجرد حصول أي اختلاف أو رفض طلب قد يعصف بالمدرب ذاته، والذي قد يكون دون مبدأ ولا يهمه غير ما يحصل عليه من راتب وامتيازات في آخر كل شهر.

وعلى سبيل الذكر ولا الحصر فقط أشرنا إلى العلاقة بين المدرب والمسؤول، والحال أن هذه العلاقات المتداخلة بين عدد من الأطراف بما في ذلك الأنصار والأحباء للنادي الذين تراهم أحيانا يريدون فرض لاعب على مدرب وحين لا ينساق وراء رغبتهم المدرب يكون شماعة كل حادثة او هزيمة، ومحل انتقادات ما أنزل الله بها من سلطان.

هذا المقال أردته أن يكون مجرد إشارات عابرة لما يحدث في بعض الأندية العربية، التي أحيانا تنتدب مدربا وتضخم حجمه بشكل كبير جدا وبعد هزيمة أو هزيمتين يتم التنكيل به، والأمثلة عديدة ويعرفها القاصي والداني، وهذا ليس غريبا علينا بما في ذلك إعلامنا الرياضي، أو البعض منه وخاصة الذي ينسى رسالته الصحفية وأخلاقيات المهنة ويزيغ في الانتمائية الضيقة لناديه المحبذ.

ولهذا وذاك عنونت مقالي بالكرة العربية بين الذات والموضوع ، راجيا أن نحكم العقل أكثر في إدارة شؤون كرتنا بعيدا عن الذات والعاطفة والنزوات والانحيازات والوجدانيات، حتى نستطيع إدراك المبتغى، الذي لا شك أنه يتطلب جهدا يوميا مشتركا بين كل الأطراف التي لها علاقة بهذه اللعبة…… مع فائق تحياتي ..

15