كاس العالم لكرة القدم وسيلة من وسائل تنشيط الاقتصاد وتسريع تنفيذ برامج التنمية المستدامة.

منذ ذلك التاريخ، تلاحقت التطورات على كرة القدم، مع تأسيس الاتحادات القارية المختصة بكل قارة على حدة، وتأسيس الاتحادات المحلية داخل كل دولة، ثم انتظام النوادي داخل كل دولة، ثم تشعبت البطولات بشكل أكبر، واستغل القائمون على كرة القدم الإقبال الجماهيري الكثيف على مبارياتها، للتكسب المادي، ورعاية رأس المال للرياضة بكافة تفاصيلها، بدءًا من أقدام اللاعبين وملابسهم، مرورًا إلى تصريحاتهم، والملاعب التي يلعبون عليها، وتنقلاتهم، وأكلهم، وإقامتهم، وغير ذلك من الأنماط التي نراها في كرة القدم الحديثة.
وبهذا نرى أن كرة القدم، تحولت عبر آلاف السنين من لعبة عشوائية، إلى بناء تَشي كل لبنة من لبناته عن سياق وضعها، وسببه، وموقعه الجغرافي، والتفاعلات التي حدثت في طريق وصولها إلى شكلها الحالي، الذي يجذب الآن مليارات البشر، وتريليونات الدولارات
كانت الرياضة بمعزل عن علم الاقتصاد لفترة طويلة إلى أن تمكنت من إثبات علاقتها الوثيقة بالقيم الاستهلاكية؛ فقد أصبحت الرياضة قائمة على فلسفة النظام الرأسمالي الذي يوفر فرص للمنافسة المبنية على العرض والطلب خاصة بعدما أصبح اقتصاد السوق السمة الغالبة في العالم، وبناءً على هذه المبادئ باتت النظريات الاقتصادية الحديثة تنظر إلى الرياضة في ظل النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر كجزء من الدورة الاقتصادية؛ سواء باعتبارها منتجًا أو شريكًا أو كقيمة مضافة. ولقد ظهر مؤخرًا فرع جديد من فروع علم الاقتصاد يُدعى بـ «اقتصاديات الرياضة»، ويعتمد هذا الفرع في دراسته على دراسة النشاط الرياضي من وجهة نظر اقتصادية، ويُعّرف بأنه «تلك الاقتصاديات التي تعتبر الرياضة نشاطًا اقتصاديًا له صناعته وله أسواقه من عرض وطلب وله ميزانيته وتمويله وأجهزته وإدارته ومنظماته»
وعمومًا فالرياضة والمصالح الاقتصادية يلتقيان في نقطة واحدة ألا وهي تحقيق الربح، فمع ظهور مشروعات الأندية الخاصة التي تسعى إلى الربح الصريح واستغلال مباريات كرة القدم في الدعاية والإعلان عن الاكاديميات التي تجعل اللاعبين أكثر احترافًا وتميزًا، أصبحت الأنشطة الرياضية وسيلة للربح المادي، وأصبح لتلك الأندية والمؤسسات الاقتصادية الراعية موازنات تخطيطية وتقديرية لكل سنة مالية، كما أصبح المعلنين يتنافسون بشراسة على نشر إعلاناتهم خلال المباريات الحاسمة التي يحتد فيها التنافس والتحدي بما يعود بالربح على خزانة الأندية والمعلنين
بغض النظر عن المصاريف الباهظة التي تكلفتها عملية استضافة نهائيات كأس العالم وتنظيمها، الا أن عائدات المونديال تحسب بالمليارات، فماذا يحدث لهذه الأرباح، وأين تذهب الملايين والمليارات؟
* تتوقع روسيا أن تجذب نحو 23.89 مليار دولار، أى 10 مليارات دولار زيادة عما أنفقته. كما تتوقع جذب استثمارات بـ100 مليار دولار.
* عملت روسيا في السنوات الماضية على تحديث البنية التحتية للنقل، بما في ذلك المطارات والطرق والسكك الحديدية.
* تتوقع روسيا، التي أنفقت على تحضيرات كأس العالم 2018 ثلاثة أضعاف ما أنفقته جنوب أفريقيا، أن تتجاوز عائدات بيع تذاكر المباريات، مستوى خمسة مليارات دولار.
* خبراء: من المتوقع أن يدر كل روبل تم إنفاقه نحو 4.5 روبل. ويقدر العائد الاقتصادي للبطولة بـ1.6 تريليون روبل، وهو أكثر بنحو 2.5 مرة من الأموال المستثمرة.
* خبراء في مجال السياحة: السائح الأجنبي الواحد الذي سيزور روسيا خلال البطولة سيساهم في خلق 5 فرص عمل في قطاع الفنادق والمطاعم.
أنفقت روسيا نحو 600 مليار روبل (20 مليار دولار) موزعة بين الميزانية الفيدرالية (50 في المائة)، والقطاع الخاص (35 في المائة) و«الحكومات المحلية» (15 في المائة)، وذلك بما يتجاوز الميزانية الفيدرالية للرعاية الصحية بنسبة 15 – 17 في المائة. يشمل ذلك بناء 7 استادات جديدة، وتحسين 5 ملاعب سابقة، وتوسيع طرق وإعادة تأهيل بعض خطوط السكك الحديدية، وبناء الفنادق. وستمتد هذه الملاعب في 11 مدينة مضيفة مختلفة، وهي موسكو (ملعبان)، وسانت بطرسبرغ، وكالينينغراد، وسوتشي، وروستوف أون دون، وإيكاترينبرغ، وكازان، وسامارا، ونيجني نوفغورود، وفولغوغراد، وسارانسك.
قامت روسيا ببناء أكثر من 10 آلاف غرفة فندقية ضمن 62 فندقا استعدادا لاستضافة الحشود التي ستواكب المونديال في 11 مدينة. أما على مستوى الاستثمارات فيعرب مسؤولون حكوميون عن تطلعاتهم بأن تتجاوز الاستثمارات المستقطبة نتيجة المونديال سواء قبله أو بعده سقف 100 مليار دولار، تضاف إليها إيرادات حقوق بث المونديال وبيع التذاكر التي تقدر وحدها بأكثر من 5 مليارات دولار.
تتوقع روسيا، التي أنفقت على تحضيرات كأس العالم 2018 ثلاثة أضعاف ما أنفقته جنوب أفريقيا، أن تتجاوز عائدات بيع تذاكر المباريات، والتي يفوق عددها 3.1 مليون تذكرة، مستوى خمسة مليارات دولار. كما يتوقع أن ينفق المشجعون الأجانب على السكن والطعام نحو 5 مليارات دولار، كما يعول منتجو وبائعو الهدايا التذكارية أن ينفق 1.5 مليون سائح أجنبي يتوقع أن يزوروا روسيا قرابة 1.5 مليار دولار، أي بمعدل 100 دولار للشخص.
. ويعد كأس العالم من بين الطرق إلى التنمية المستدامة. فقد انتعش الاقتصاد البرازيلي بعد مونديال 2014. بنحو30 مليار دولار، بينما كانت عائدات مونديال جنوب أفريقيا في 2010. 5 مليارات دولار. وبالتوازي مع هذا تحولت كرة القدم إلى نموذج لآليات السوق… ففي كل مونديال تظهر العقود المغرية لأصحاب المواهب، مع زيادة في الانتقال الدولي للاعبين في سوق عمل كرة القدم، كم حدث في أوروبا في العقدين الماضيين، حيث دخل كرة القدم الأوروبية 16 مليار يورو في عام 2011 منها نحو 7 مليارات يورو بصفة أجور.
توقعت دراسة أجرتها لجنة الاتحاد الدولي لكرة القدم، المنظمة للمونديال، أن تعزز البطولة نمو الاقتصاد الروسي بنحو 3 مليارات دولار سنوياً على مدى سنوات خمس. وأوضحت اللجنة أن المونديال سيساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بـ2.43 مليار دولار، إلى 3.4 مليار دولار سنوياً. وكان الاقتصاد الروسي سجل نمواً بنحو 1.5 في المائة في العام الماضي بعد عامين من الانكماش الذي أعقب انهيار أسعار النفط.
وعملت روسيا في السنوات الماضية على تحديث البنية التحتية للنقل، بما في ذلك المطارات والطرق والسكك الحديدية، إذ تم بناء 27 فندقاً جديداً، في المدن التي ستستضيف البطولة. وقال رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيديف، إن بلاده خصصت مبالغ ضخمة لتطوير مطارات العاصمة موسكو، قبيل كأس العالم 2018. وأكد مدفيديف أن موسكو خصصت نحو 8 مليارات روبل لتطوير البنية التحتية لمطار «دوموديدوفو» الدولي، و150 مليار روبل لتطوير مطار «شيريميتيفو» الدولي.
وأعلنت الحكومة الروسية زيادة الميزانية المخصصة للتحضير للبطولة، بمقدار 35 مليار روبل «أي ما يعادل 510 ملايين يورو»، حيث نشرت الحكومة، وثيقة على الموقع الرسمي للمعلومات القانونية، تفيد بأن الميزانية المخصصة للبطولة سترتفع بهذه الزيادة إلى 678.06 مليار روبل (11 مليار دولار) بعد أن كانت 643.55 مليار روبل.
فيما أعدت الحكومة الروسية دراسة بعنوان «التوقعات لتأثير بطولة كأس العالم لكرة القدم على المجالين الاقتصادي والاجتماعي»، توقعت فيها نتائج إيجابية للاقتصاد الروسي، تُقدر بنحو 867 مليار روبل روسي، أي ما يزيد على 14 مليار دولار أميركي.
وكان أركادي دفوركوفيتش، نائب رئيس الحكومة الروسية، رئيس اللجنة التنظيمية لمونديال «روسيا – 2018»، قال إن هذا الحدث سيمنح الاقتصاد الروسي واحدا في المائة من الناتج الإجمالي المحلي سنوياً.
وأوضح أن نمو الناتج المحلي الإجمالي المتصل بالتحضيرات للمونديال، كان خلال السنوات الخمس الأخيرة يتحرك صعوداً، أي أن النمو يتزايد، وبلغ خلال العام الحالي الحد الأقصى بنسبة 0.4 في المائة. وأكد بأن الإنفاق على مشروعات كأس العالم ليس هدرا للأموال، ودعا إلى النظر لتلك المبالغ بأنها «ليست نفقات وإنما هي استثمارات في واقع الأمر»، ووصفها بـ: «نفقات مثمرة، تقدم مساهمة مباشرة في حياة الناس».
وقال أليكسي سوروكين، رئيس لجنة «روسيا – 2018»، إن هذا الدخل تم تقديره باعتماد المنهج الدولي الذي تم بموجبه تقدير الأرباح الاقتصادية لمونديال عام 2006 في ألمانيا، وكذلك الأولمبياد في لندن عام 2012. وشاركت في وضع التوقعات الاقتصادية لمونديال «روسيا – 2018» مؤسسة «مس كينسي» الدولية للدراسات. وكل النتائج التي خلصت إليها الدراسة عبارة عن توقعات أولية، سيتم تعديلها بعد انتهاء البطولة.
وتوقعت الدراسات أن يصل روسيا نحو 570 ألف مشجع من مختلف دول العالم، يحملون معهم للناتج المحلي الإجمالي أكثر من 120 مليار روبل، هي عبارة عن المبالغ التي سينفقونها على الإقامة والطعام والهدايا وغيرها.
من جانب آخر، تشير دراسة «التوقعات لتأثير بطولة كأس العالم لكرة القدم على المجالين الاقتصادي والاجتماعي» إلى أن أعمال بناء الملاعب والبنى التحتية ساهمت في توفير الآلاف من فرص العمل وزيادة الإنتاج، وفي المحصلة ساهمت في نمو دخل المواطنين. وزيادة عدد فرص العمل التي توفرت خلال سنوات 2013 – 2018 على 220 ألف فرصة عمل جديدة، زاد خلالها دخل المواطنين عن 414 مليار روبل.

10