الليبراليّة الجديدة لا شأن لها بحجاب السعوديّات

 

ياسر صالح البهيجان *

ياسر صالح البهيجان *

مصطلح “نيوليبرالي” أو ما يسمى بـ(الليبراليّة الجديدة) هو من مصطلحات القرن العشرين التي جاءت كردة فعل على حالة الركود الاقتصادي وغياب التكافؤ الاجتماعي الذي شهده القرن التاسع عشر في أوروبا، وأسهم هذا الاتجاه في إنشاء أفكار تجديديّة ذات أبعاد اقتصاديّة واجتماعيّة تختلف اختلافاً جذرياً عمّا تضمره ذهنيّة من يدّعون بأنهم ليبراليون سواءً في السعوديّة أو في معظم أرجاء الوطن العربي.
المتسمون بالليبراليين في المملكة معظمهم انتسب إلى الليبراليّة طمعاً في بريقها الذي بدأ يلمع منذ ثمانينات القرن الماضي، واتخذوها سبيلاً للتمرّد على الواقع الاجتماعي داخل البيئة العربيّة التي اتجهت إلى التديّن عقب علوّ كعب التيّار الصحويّ.
الإشكاليّة أن معظم الليبراليّين العرب أساؤوا للمدرسّة الليبراليّة الغربيّة بتغريدهم خارج سرب القضايا الرئيسة التي كانت تشغل الليبراليّون الحقيقيون في أوروبا، إذ اقتصرت جهودهم في تنفيذ التوجه الليبرالي على مهاجمة المؤسسات الدينيّة، والاهتمام غير المبرر بمسائل هامشيّة تدور معظمها حول المرأة وجسدها، رغم أن مشكلات الأنثى لم تأخذ الحيّز ذاته في أطروحات أساتذة الليبراليّة في مجتمعات الغرب.
الدكتور عبد الله الغذامي لم يكن مخطئاً عندما وصف الليبراليّة في السعوديّة بأنها هويّة من لا هويّة له، وأن من يدعون بانهم ليبراليون لا يحملون مشروعاً حقيقياً واضح المعالم، وتكشف ممارساتهم وأقوالهم وأفعالهم عن جهلهم المنهجي بمفهوم الليبراليّة الحقّة، وهذا ليس تنزيهاً لليبراليّة الغربيّة فهي تضمر في أنساقها العديد من التناقضات التي أوجدت صراعات داخليّة بين أتباعها لا تقل ضراوة عن الصراعات الناشبة بين بعض الطوائف المنتسبة للإسلام.
الليبراليّة الجديدة في الغرب بشّرت المجتمعات بالتحرر الاقتصادي والاتجاه نحو خصخصة المنشآت الحكوميّة الخدميّة، وتعزيز الاتجاه إلى السوق الحر دون قيود، وطالبت بتخفيض الإنفاق الحكومي وإشراك القطاع الخاص للممارسة دوره الفاعل في تنمية الاقتصادات الوطنيّة، ولكن ماذا بشّر به الليبراليون السعوديون مجتمعنا؟، فأزمة البطالة والفقر وعدم تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع وانسحاق الطبقة المتوسّطة لا يمكن أن تحلها مسألة حجاب المرأة أو قيادتها للسيّارة!.
القول بأن الليبراليين في السعوديّة وفي معظم أرجاء الوطن العربي لا يحملون هماً وطنياً حقيقياً تجاه المجتمع ليس تجنياً عليهم، إنما هو حقيقة يثبتها نضالهم عن قضايا ليست ذات أولويّة لدى المجتمعات العربيّة، وغياب تحديد الأولويّات أحد المؤشّرات الدالّة على سطحيّة فهمهم لمصطلح الليبراليّة، ويكشف بجلاء عن أن مشروعهم هزيل ولا يمتلك رؤية تنسجم مع احتياجات المواطن العربي الذي لا يهمه إن كانت المرأة حاسرة الرأس أو منقّبة بقدر ما يهمه العيش بكرامة داخل وطن ينعم باقتصاد قويّ يضمن له حياة كريمة.

* ماجستير في النقد والنظرية

12