التكنولوجيا لا تخلق الوظائف

ياسر البهيجانانتشار التكنولوجيا في كافّة أنحاء العالم واتجاه المؤسسات الحكوميّة والخاصة إلى الرقمنة قلّص عدد الوظائف التقليديّة السائدة فيما مضى، لكنه في الآن ذاته لم يخلق فرصاً وظيفية تتواءم مع أعداد المؤهلين للعمل في المجالات الحديثة، ما أسهمت في اتساع هوّة البطالة بدلاً من إيجاد حلول لمواجهتها.
مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبيّة بدورها لم تواكب التحول التكنولوجي في سوق العمل، وظلّت تسير بذات الوتيرة السابقة لتزجّ بالشباب والفتيات إلى ميدان لا ينسجم مع تخصصاتهم وتأهيلهم العلمي والتدريبي، ما جعلهم عاجزين عن إثبات كفاءتهم وفرض وجودهم والظفر بإحدى الفرص الوظيفية المتاحة والتي يجدون عليها منافسة شرسة من بعض الكوادر الأجنبيّة المؤهلة في تلك الجوانب التقنيّة.
إدخال التكنولوجيا في التعليم والتدريب ليست من النوافل، إنما هو فرض عين لتأهيل جيل جديد يمتلك المهارات المتوافقة مع عصرهم الرقمي، وتأخر مؤسساتنا التعليمية في الاتجاه إلى رقمنة المناهج والبرامج التدريبية عائد إلى تجاهل إجراء الأبحاث والدراسات الساعية إلى إيجاد مواءمة بين مؤهلات الخريجين واحتياج سوق العمل، والدول المتحضّرة تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً لكي لا تذهب مواردها البشريّة هدراً، وتصبح عالة على نفسها وعلى المجتمع.
في المملكة، نحن بحاجة إلى توجّه وطني تفرضه الجهات العليا على المؤسسات التعليمية والتدريبيّة بهدف إعادة النظر فيما تتضمّنه المناهج الحاليّة من محتويات عفا عليها الزمن، ولم تعد صالحة للجيل التكنولوجي، على أن يطال التغيير طريقة تقديم المعلومة وشرحها، حيث لم يعد للسبورة التقليديّة أي مسوّغ لوجودها بعد ظهور الأجهزة اللوحيّة وبرامج التواصل المبتكرة والنوعيّة.
وإن أردنا توسيع الدائرة قليلاً، فإن جهات القطاع الخاص مسؤولة هي الأخرى عن سوء استخدام التكنولوجيا في مجال التوظيف، حيث استغلّت ذلك التطوّر في تقليص أعداد الموظفين والاكتفاء بثلّة قليلة تدير كافّة المهام بدلاً من توفير فرص وظيفيّة أكثر للشباب والفتيات، إذ يغلب على معظمها البحث عن الثروة وطرق خفض النفقات دون تحمّل أي مسؤوليّة اجتماعيّة على الرغم من أن البيئة الاستثماريّة في المملكة تتسم بالمرونة وقلة الرسوم الضريبية مقارنة بالعديد من الدول الأخرى.
العصر الرقمي في مجال التوظيف هو سلاح ذو حدين، بإمكانه أن يفتك بالمجتمعات إن ظل دون قيود مفروضة تضبط تحركاته وفق دراسات ورؤية منهجيّة وعلميّة محددة، ويكون قادراُ على إصلاح ما أفسده الدهر إن خضع للقوانين الصارمة المقرونة بارتفاع الوعي الاجتماعي لدى شريحة الشباب.

11